الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح المغيث شرح ألفية الحديث ***
951- ووَضَعُوا التاريخَ لَمَّا كَذَبَا *** ذَوُوهُ حتى بانَ لما حُسِبَا 952- فاسْتَكْمَلَ النبيُّ والصِّدِّيقُ *** كذا عَلِيٌّ وكذا الفاروقُ 953- ثلاثةَ الأعوامِ والسِّتِّينَا *** وفي ربيعٍ قد قَضَى يَقِينَا 954- سَنَةَ إحدَى عَشْرةٍ وقُبِضَا *** عامَ ثلاثَ عشْرَةَ التالِي الرِّضَا 955- ولثلاثٍ بعدَ عشرينَ عُمَرْ *** وخمسةٍ بعدَ ثلاثينَ غَدَرْ 956- عادٍ بعُثمانَ كذاك بعَلِي *** في الأربعينَ ذو الشَّقاءِ الأَزَلِي 957- وطَلْحَةٌ مع الزُّبَيْرِ جُمِعَا *** سَنَةَ سِتٍّ وثَلاثينَ مَعَا 958- وعامَ خَمسةٍ وخَمسينَ قَضَى *** سَعْدٌ وقَبْلَهُ سعيدٌ فَمَضَى 959- سنةَ إِحْدَى بعدَ خَمسينَ وفِي *** عامِ اثنتينِ وثلاثينَ تَفِي 960- قَضَى ابنُ عَوْفٍ والأمينُ سَبَقَهْ *** عامَ ثَمَانِي عَشْرَةٍ مُحَقَّقَهْ 961- وعاشَ حَسَّانٌ كذا حَكِيمُ *** عِشرينَ بعدَ مِائةٍ تَقُومُ 962- سِتُّونَ في الإسلامِ ثم حَضَرَتْ *** سَنَةَ أربَعٍ وخَمسينَ خَلَتْ 963- وفوقَ حَسَّانٍ ثلاثةٌ كَذَا *** عاشُوا وما لغَيْرِهم يُعْرَفُ ذَا 964- قلتُ حُوَيْطِبُ بنُ عبْدِ الْعُزَّى *** معَ ابنِ يَرْبُوعٍ سعيدٍ يُعْزَى 965- هذانِ معْ حَمْنَنِ وابنِ نَوْفَلِ *** كلٌّ إلى وَصْفِ حكيمٍ فاجْمِلِ 966- وفي الصِّحابِ سِتَّةٌ قد عُمِّرُوا *** كذاك في الْمُعَمَّرِينَ ذُكِرُوا 967- وقُبِضَ الثَّوْرِيُّ عامَ إِحْدَى *** مِن بعْدِ سِتِّينَ وقَرْنٍ عُدَّا 968- وبعدُ في تِسعٍ تَلِي سَبعينَا *** وَفاةُ مالِكٍ وفِي الْخَمسينَا 969- ومِائةٍ أبو حَنيفةَ قَضَى *** والشافعيُّ بعدَ قَرنينِ مَضَى 970- لأَرْبَعٍ ثم قَضَى مأموناً *** أحمدُ في إحدى وأَرْبَعِينَا 971- ثم البُخارِي ليلةَ الفِطْرِ لَدَى *** سِتٍّ وخَمسينَ بخَرْتَنْكَ رَدَى 972- ومُسْلِمٌ سَنَةَ إِحْدَى في رَجَبْ *** مِنْ بعدِ قَرنينِ وسِتِّينَ ذَهَبْ 973- ثم لِخَمْسٍ بعدَ سَبعينَ أَبُو *** داوُدَ ثُمَّ التِّرمِذِيُّ يُعْقِبُ 974- سَنَةَ تِسْعٍ بعدَها وذُو نَسَا *** رابعَ قَرْنٍ لثَلاثٍ رُفِسَا 975- ثم لِخَمْسٍ وثَمَانينَ تَفِي *** الدارَقُطْنِي ثُمَّتَ الحاكِمُ فِي 976- خامِسِ قَرْنٍ عامَ خَمسةٍ فَنِي *** وبعدَه بأربعٍ عبدُ الْغَنِي 977- ففِي الثلاثينَ أبو نُعَيْمِ *** ولثَمانٍ بَيْهَقِيُّ القَوْمِ 978- مِن بعدِ خَمسينَ وبَعْدَ خَمسهْ *** خَطِيبُهُمْ والنَّمَرِي في سَنَهْ [حقيقة التأريخ] (تواريخُ الرواةُ والوَفِيَّاتِ) وحَقِيقةُ التاريخِ: التعريفُ بالوقتِ الذي تُضْبَطُ به الأحوالُ في المواليدِ والوَفِيَّاتِ، ويَلْتَحِقُ به ما يَتَّفِقُ من الحوادثِ والوقائعِ التي يَنْشَأُ عنها معانٍ حَسَنَةٌ معَ تعديلٍ وتجريحٍ ونحوِ ذلك، وحِينَئذٍ فالعطفُ بالوَفِيَّاتِ من عَطْفِ الأخصِّ على الأعمِّ، يُقالُ: تَارِيخٌ وتَوْرِيخٌ، وأرَّخْتُ الكتابَ ووَرَّخْتُه بمعنًى، وقالَ الصُّوليُّ: تَاريخُ كلِّ شَيءٍ غَايتُه ووَقْتُه الذي يَنْتهِي إليه زَمَنُه، ومنه قِيلَ لفلانٍ: تارِيخُ قَوْمِه. أي: إليه المُنْتَهَى في شَرَفِ قَوْمِه, كما قالَه المُطَرِّزِيُّ، أو لكونِه ذاكِرٌ للأخبارِ وما شَاكَلَها، وومَن لُقِّبَ بذلك أبو البَرَكاتِ محمدُ بنُ سعدِ بنِ سعيدٍ البغداديُّ العَسَّالُ المُقْرِئُ الحَنْبَلِيُّ المُتوَفَّى في سنةِ تِسْعٍ وخَمْسِمائةٍ. وأوَّلُ مَن أمَرَ به عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، وذلك في سنةِ سِتَّ عَشْرَةَ من الهجرةِ النبويَّةِ من مَكَّةَ إلى المدينةِ، واختيرَ لابتدائِه أولَ سِنِيهَا بعدَ أنْ جمَعَ المُهاجِرِينَ والأنصارَ، واستشارَهم فيه؛ لأنَّها فيما قيلَ غيرُ مُختلَفٍ فيها بخلافِ وقتِ كلٍّ من البَعْثَةِ والولادةِ، وأمَّا وقتُ الوَفاةِ فهو وإنْ لم يُخْتَلَفْ فيه فالابتداءُ به, وجعَلَه أصلاً غيرَ مُسْتَحْسَنٍ عقلاً؛ لتَهيِيجِه للحُزْنِ والأسَفِ، وأيضاً فوقْتُ الهجرةِ مِمَّا يُتبَرَّكُ به؛ لكونِه وقتَ استقامةِ مِلَّةِ الإسلامِ وتَوالِي الفتوحِ وتَرادُفِ الوفودِ واستيلاءِ المُسلِمينَ، ثم اختِيرَ أنْ تَكونَ السَّنَةُ مُفْتَتَحَةً من شُهورِها بالمُحرَّمِ؛ لكونِه شَهْرُ اللهِ، وفيه يُكْسَى البيتُ، ويُضْرَبُ الورقُ، وفيه يومٌ تَابَ فيهِ قومٌ فتِيبَ عليهم، وكانَ السَّبَبُ فيه كما رواهُ ابنُ جَرِيرٍ من طَريقِ الشَّعْبِيِّ أنَّ أبا مُوسَى الأشعريَّ كَتَبَ إلى عُمَرَ أنَّه تَأْتِينَا منك كُتُبٌ ليسَ فيها تاريخٌ فأرِّخْ. بل رُوِيَ أيضاً من طريقِ ابنِ شهابٍ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لَمَّا قَدِمَ المدينةَ، وقَدِمَها في شهرِ ربيعٍ الأولِ أمرَ بالتأريخِ، ومن طريقِ عَمْرِو بنِ دِينارٍ، أوَّلُ مَن أرَّخَ يَعْلَى بنُ أُمَيَّةَ وهو باليَمَنِ، ولكنَّ المُعْتَمَدَ الأوَّلُ.
وهو فَنٌّ عَظِيمُ الوقعِ من الدينِ، قديمُ النفعِ به للمسلمينَ، لا يُسْتَغْنَى عنه ولا يُعْتَنَى بأعَمَّ منه, خُصوصاً ما هو القَصْدُ الأعظمُ منه، وهو البحثُ عن الرواةِ والفحصِ عن أحوالِهم في ابتدائِهم وحالِهم واستقبالِهم؛ لأنَّ الأحكامَ الاعتقاديَّةَ والمسائلَ الفِقْهِيَّةَ مَأْخوذةٌ من كلامِ الهادي من الضلالةِ والمُبْصِرِ من العَمَى والجهالةِ، والنقلةُ لذلك هم الوَسائِطُ بينَنا وبينَه، والروابطُ في تحقيقِ ما أوْجَبَه وسَنَّه، فكانَ التعريفُ بهم من الواجباتِ، والتشريفُ بتراجِمِهم مِن المُهِمَّاتِ؛ ولذا قامَ به في القديمِ والحديثِ أهلُ الحديثِ، بل نجومُ الهدى ورُجُومُ العِدَى. [بواعث وضع التأريخ] (ووَضَعُوا التارِيخَ) المُشتمِلَ على ما ذَكَرْناه معَ ضَمِّهم له الضبطَ لوقتِ كلٍّ من السماعِ، وقدومِ المُحدِّثِ البَلَدَ الفلانيَّ في رحلةِ الطالبِ وما أشْبَهَه, كما تَقدَّمَ شيءٌ من تَصانِيفِهم في آدابِ طالبِ الحديثِ؛ ليَخْتَبِروا بذلك مَن جَهِلوا حالَه في الصدقِ والعدالةِ, (لَمَّا كَذَبَا ذَوُوهُ) أي: ذَوُو الكَذِبِ, (حَتَّى بانَ) أي: ظهَرَ به كَذِبُهم وبطلانُ قولِهم الذي يُرَوِّجونَ به على مَن أغْفَلَه, (لَمَّا حُسِبَا) سِنُّهم وسِنُّ مَن زَعَموا لُقْيَهم إيَّاه، وافْتَضَحوا بذلك، وأمثلتُه كثيرةٌ كما اتَّفقَ لإسماعيلَ بنِ عَيَّاشٍ أنَّه سألَ رَجُلاً اختباراً: أيُّ سَنَةٍ كَتَبْتَ عن خَالِدِ بنِ مَعْدانَ؟ فقالَ: سَنَةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ. يعني: ومائةٍ, (فقَالَ له: أنتَ تَزْعُمُ أنَّكَ سَمِعْتَ من خَالِدٍ بعدَ مَوْتِه بسَبْعِ سِنِينَ) وهذا على أحدِ الأقوالِ في وقتِ وَفاةِ خَالِدٍ، وإلاَّ فقد قالَ الخطيبُ: جاءَ عن عِمْرانَ بنِ مُوسَى أنَّه قالَ: أنا شَيْخُكُم الصالِحُ. وأكثرُ مِن ذلك فقيلَ له: مَن هو؟ فقالَ: خَالِدُ بنُ مَعْدانَ. فقيلَ له: في أيِّ سَنَةٍ لَقِيتَهُ؟ قالَ: سَنَةَ ثَمانٍ ومِائةٍ في غَزاةِ أرْمِينِيَّةَ. فقِيلَ له: اتَّقِ اللهَ يا شيخُ, ولا تَكْذِبْ، ماتَ خَالِدٌ سَنَةَ أربعٍ ولم يَغْزُ أرْمِينِيَّةَ) وكذا قالَ عُفَيْرُ بنُ مَعْدانَ لمَن زعَمَ أنَّه سَمِعَ من خالدٍ أيضاً: إنَّه ماتَ في سنةِ أربعٍ، وهو قولُ دُحَيْمٍ وسُلَيْمَانَ الخبايريِّ ومعاويةَ ابنِ صالحٍ ويَزِيدَ بنِ عَبْدِ رَبِّهِ، وقالَ: إنَّه قرَأَه كذلك في ديوانِ العطاءِ, ورَجَّحَه ابنُ حِبَّانَ، وبه جَزَمَ الذَّهَبِيُّ في (العِبَرِ) وفيها من الأقوالِ أيضاً: سَنَةَ ثَمانٍ، ورَجَّحَه ابنُ قَانِعٍ، أو خَمْسٍ أو ثلاثٍ، وقالَ ابنُ سَعْدٍ: إنَّهم مُجمِعونَ عليه، وهو قولُ الهَيْثَمِ بنِ عَدِيٍّ والمَدَائِنِيِّ والفلاسِ وابنِ مَعِينٍ ويَعقوبَ بنِ شَيْبَةَ في آخَرِينَ، وكذا اتَّفَقَ للحاكمِ معَ محمدِ بنِ حاتمٍ الكَشِّيِّ حينَ حَدَّثَ عن عبدِ بنِ حُمَيدٍ فسأَلَه عن مَوْلِدِه، فقالَ له: في سَنَةِ سِتِّينَ ومائتيْنِ. فقالَ: إِنَّ هذا سَمِعَ من عبدٍ بعدَ موتِه بثلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً. وقالَ المُعَلَّى بنُ عرفانَ كما في مُقَدِّمَةِ مُسلمٍ: حَدَّثَنا أبو وائلٍ قالَ: خَرَجَ علينا ابنُ مَسعودٍ بصِفِّينَ، فقالَ أبو نُعَيمٍ: أتُرَاهُ بُعِثَ بعدَ الموتِ؟ وكذا أدرَجَ أبو المُظفَّرِ محمدُ بنُ عليٍّ الطبريُّ الشيبانيُّ سماعَ ابنِ عُيَينَةَ من عمرِو بنِ دِينارٍ في سَنَةِ ثلاثِينَ ومائةٍ فافْتَضَحَ؛ إذْ موتُ عَمْرٍو قبلَ ذلك إجماعاً, كما قَدَّمْتُه في المسلسلِ. ومن ثَمَّ قالَ الثَّوْرِيُّ: لَمَّا استعمَلَ الرواةُ الكَذِبَ استعمَلْنا لهم التأريخَ. أو كما قالَ، ونحوُه قولِ حَسَّانَ بن يَزِيدَ كما رواهُ الخَطِيبُ في تأريخِه، لم يُسْتَعَنْ على الكذَّابِينَ بمثلِ التاريخِ، يُقالُ للشيخِ: سَنَةَ كَمْ وُلِدْتَ؟ فإذا أقرَّ بمولِدِه عُرِفَ صِدْقُه من كَذِبِه، وقولِ حفصِ بنِ غياثٍ القاضي: إذا اتَّهَمْتُم الشيخَ فحَاسِبُوه بالسِّنَّيْنِ يعني بفتحِ النونِ المُشدَّدةِ تثنيةُ سِنٍّ, وهو العُمُرُ، يُرِيدُ احْسُبُوا سِنَّه وسِنَّ مَن كتَبَ عنه،
إلى غيرِ ذلك. وكذا يَتَبَيَّنُ به ما في السندِ من انقطاعٍ أو عضلٍ أو تَدْلِيسٍ أو إرسالٍ ظاهرٍ أو خَفِيٍّ للوُقوفِ به على أنَّ الرَّاوِيَ مثلاً لم يُعاصِرْ مَن رَوَى عنه أو عَاصَرَه، ولكنْ لم يَقُلْه؛ لكونِه في غيرِ بَلَدِه وهو لم يَرْحَلْ إليها, معَ كونِه ليسَتْ له منه إجازةٌ أو نحوُها، وكونُ الراوي عن بعضِ المُختلطِينَ، سَمِعَ منه قبلَ اختلاطِه، ونحوُ ذلك، ورُبَّمَا يَتَبيَّنُ به التصحيفُ في الأنسابِ كما أسْلَفتُه في التصحيفِ، وهو أيضاً أحَدُ الطرُقِ التي يَتمَيَّزُ بها الناسِخُ من المنسوخِ كما سَلَفَ في بابِه، ورُبَّما يُسْتَدَلُّ به لضبطِ الراوي, حيثُ يَقولُ في المَرْوِيِّ: وهو أولُ شيْءٍ سَمِعْتُه منه، أو رأيْتُه في يومِ الخميسِ يَفْعَلُ كذا، أو كانَ فلانٌ آخِرَ مَن رَوَى عن فلانٍ، أو سَمِعْتُ من فلانٍ قبلَ أنْ يُحَدِّثَ ما أُحَدِّثُ أو قبلَ أنْ يَخْتلِطَ، وفي المتونِ أيضاً من ذلك الكثيرُ كـ (أوَّلُ ما بُدِئَ به رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ من الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ، و أوَّلُ ما نَزَلَ من القرآنِ كذا؛ وكقولِه عن يومِ الإثنيْنِ: (ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ) الحديثَ. وكانَ آخرُ الأمريْنِ من النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تَرْكَ الوضوءِ مِمَّا مَسَّتِ النارُ، وقولِ عائشةَ: (إِنَّه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كانَ قبلَ فتحِ مَكَّةَ إذا لم يَنْزِلْ لم يَغْتَسِلْ ثم اغْتَسَلَ بعدُ وأمَرَ بِهِ ورَأَيْتُهُ قَبْلَ أنْ يَموتَ بعَامٍ أو قبلَ أَنْ يُقْبَضَ بشَهْرٍ وكُنَّا نفَعَلُ كَذَا حَتَّى قَدِمْنَا الحَبَشَةَ، و نَهَى يومَ خَيْبَرَ عن كذا). وما أشْبَهَ ذلك، بحيثُ أفرَدَ جماعةٌ من القدماء فمَن بعدَهم الأوائلَ بالتصنيفِ, وأجْمَعُها لشيخِنا، وكذا أفرَدَ أبو زَكَرِيَّا بنُ مَنْدَةَ آخِرَ الصحابةِ مَوْتاً كما سَلَفَ هناك، بل أفرَدَ الأواخرَ مطلقاً بعضُ المُتأخِّرِينَ, ولكثرةِ ما وقَعَ في المتونِ من ذلك أفرَدَه البُلْقينِيُّ بنوعٍ مُستقِلٍّ ولو ضَمَّه بهذا، ويَكونُ على قسميْنِ: سَنَدِيٍّ ومَتْنِيٍّ، وقد يَشْتركانِ في بعضِ الصورِ كما في كثيرٍ من الأنواعِ لَكانَ حَسَناً. وكانَ لخيارِ الملوكِ والأمراءِ بأهلِه أتَمَّ اعتناءٍ، حتى إنَّ الأميرَ سنجرَ الدواداريَّ سألَ الدمياطيَّ وناهِيكَ بجَلالَتِه عن سَنَةِ وفاةِ البخاريِّ, فلم تَتَّفِقْ له المبادرةُ لاستحضارِها، ثم دخَلَ عليه ابنُ سَيِّدِ الناسِ فسَأَلَه عنها فبَادَرَ لذِكْرِها فحَظِيَ عندَه بذلك جِدًّا، وزادَ في إكرامِه وتقريبِه. وفنونُه مُتشعِبَّةٌ جِدًّا، والمرغوبُ عنه منها ما لا نَفْعَ فيه، وإنَّما وُضِعَ للتفَرُّجِ؛ ولذا قالَ الغزاليُّ في (الإحياءِ)، وتَبِعَه النوويُّ في قسمِ الصدقاتِ من (الروضةِ): الكتابُ يُحتاجُ إليهِ لثلاثةِ أغراضٍ: التعليمِ والتفَرُّجِ بالمُطالَعَةِ، والاستفادةُ. فالتفَرُّجُ لا يُعَدُّ حاجةً؛ كاقتناءِ كُتُبِ الشعرِ والتواريخِ ونحوِها مِمَّا لا ينفَعُ في الآخرةِ، ولا في الدنيا، فهذا يُباعُ في الكَفَّارةِ وزكاةِ الفطرِ، ويَمْنَعُ اسمَ المَسْكنةِ. انتهَى. وصرَّحَ الغزاليُّ في موضِعٍ آخرَ من الإحياءِ بكونِ ذلك من العلمِ المُباحِ؛ فإِنَّه قالَ: وأمَّا المُباحُ منه فالعلمُ بالأشعارِ التي لا سَخْفَ فيها, وتواريخُ الأخبارِ وما يَجْرِي مجراه، ووَلِعَ بعضُ الفُسَّاقِ بهذا الكلامِ في ذَمِّ مُطْلَقِ التاريخِ فأخْطَأَ، بل هو واجِبٌ إذا تَعَيَّنَ طَرِيقاً للوقوفِ على اتصالِ الخبرِ وشِبْهِه. وقد قالَ الذَّهَبِيُّ فيما قَرَأْتُه بخَطِّه: فنونُ التواريخِ التي تدخُلُ في تاريخي البحرِ المحيطِ وسَرْدِها فكانتْ أمراً عَجَباً، ولم أنهَضْ له، ولو عَمِلْتُه لجاءَ في سِتِّمائةِ مُجلَّدٍ. ولذا قالَ مُغْلَطايٌ كما قرأتُه بخَطِّه أيضاً: إنَّ شَخْصاً واحداً حازَ نحواً من ألفِ تَصنيفٍ فيه، ومعَ ذلك فليسَ في الوَفِيَّاتِ بخصوصِها كتابٌ مُسْتَوْفًى كما صرَّحَ به الحافظُ أبو عبدِ اللهِ الحُمَيديُّ مُؤَلِّفُ الجمعِ بينَ الصحيحيْنِ، وأنَّه رامَ جمْعَ ذلك فقالَ له الأميرُ أبو نصرِ بنِ ماكولا: رَتِّبْه على الحروفِ بعدَ أنْ تُرَتِّبَه على السِّنِينِ، يعني في تَصْنيفَيْنِ مُستقِلَّيْنِ يَستوفِي الغرضَ في كلٍّ منهما أو في واحدٍ فقط، ويكونُ على قِسْمَيْنِ: أحَدُهما مُسْتَوِفياً، والآخرُ: حَوالةً, بأنْ يَقولَ في حرفِ العينِ مَثَلاً: عِكْرِمَةُ مَوْلَى ابنِ عَبَّاسٍ في الطبقةِ الفلانيَّةِ من التابعِينَ. ليَتَيَسَّرَ بذلك للطالبِ الإحاطةُ بالراوي، سواءٌ عَرَفَ طبقتَه أو اسمَه، وإنْ كانَ صَنِيعُ الذَّهَبِيُّ يُشْعِرُ بأنَّ المرادَ أنْ يجعَلَ كلَّ طَبَقةٍ على قسميْنِ: قِسْمٍ فيه الأسماءُ مُرَتَّبَةً على الحروفِ، والآخرِ فيه الحوادِثُ، وذلك أنَّه قالَ عَقِبَ كلامِ الحُمَيديِّ في تَرْجَمَتِه من تأريخِ الإسلامِ له ما نَصُّه: قد فتَحَ اللهُ بكتابِنا هذا ـ انتَهَى. فإنَّ الظاهِرَ ما قَدَّمْتُه، هذا معَ أنَّ تأريخَ الإسلامِ قد فَاتَه فيه من الخَلْقِ مَن لا يُحْصَى كثرةً، وقد رَتَّبْتُه على حروفِ المعجمِ وزِدْتُ فيه قَدْرَه أو أكثرَ, وصارَ الآنَ كتاباً حافلاً بَدِيعاً معَ أَنِّي لم أبْلُغْ فيه غَرَضِي. وقدْ صَنَّفَ في الوَفِيَّاتِ القاضيانِ؛ أبو الحسينِ عبدُ الباقي بنُ قَانِعٍ البغداديُّ الحافِظُ المُتوَفَّى في سنةِ إحْدَى وخمسينَ وثلاثِمائةٍ، وآخِرُ وَفِيَّاتُه عندَ سَنَةِ ستٍّ وأربَعِينَ وثلاثِمائةٍ، وأبو أحمدَ عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ بنِ رَبِيعَةَ بنِ زَبْرٍ البغداديُّ الدِّمَشْقِيُّ قاضي مِصْرَ، والمُتوفَّى في سنةِ تسعٍ وعِشرينَ وثلاثِمائةٍ، وكلاهما مِمَّن تُكلِّمَ فيه، فأوَّلُهما لَخَطِئِه وإصرارِه على الخَطَأِ معَ ثِقَتِه في نَفسِه، وثانيهما قالَ الخطيبُ: إِنَّه غيرُ ثِقَةٍ وذيَّلَ على وَفِيَّاتِه أبو محمدٍ، عبدُ العزيزِ بنُ أحمدَ الكَتَّانِيُّ ثم أبو مُحمدٍ هِبَةُ اللهِ بنُ أحمدَ الأكفانيُّ فعَمِلَ نحوَ عِشْرِينَ سَنَةً، ثم الحَافِظُ أبو الحَسَنِ عليُّ بنُ المُفَضَّلِ ثم الحافِظُ الذَّكِيُّ عبدُ العظيمِ المُنذرِيُّ، وهو كبيرٌ, كثيرُ الإتقانِ والفائدةِ، ثم الشريفُ عِزُّ الدينِ أبو القَاسِمِ أحمدُ بنُ محمدِ بنِ عبدِ الرحمنِ الحُسَينيُّ، ثم المُحدِّثُ الشهابُ أبو الحُسَينِ بنُ أيْبَكَ الدِّمياطِيُّ، وانتْهَى إلى سنةِ تِسْعٍ وأرْبَعِينَ وسَبْعِمائةٍ، فذَيَّلَ عليه من ثَمَّ الحافظُ المُصنِّفُ إلى سنةِ اثنتيْنِ وسِتِّينَ، فذَيَّلَ عليه وَلَدُه الوَلِيُّ العراقيُّ إلى أنْ ماتَ سَنَةَ سِتٍّ وعِشْرِينَ وثَمَانِ مائةٍ، ولكنَّ الذي وَقَفْتُ عليه منه إلى سنةِ سَبْعٍ وثَمانِينَ وسبعِمائةٍ, وللحافظِ التقيِّ بنِ رَافِعٍ في الوَفِيَّاتِ كتابٌ كثيرُ الفائدةِ ذَيَّلَ به على تاريخِ العلمِ البرزاليُّ الذي ابْتَدَأَ به، من سَنَةِ مولدِه, وجعَلَه ذَيْلاً على تأريخِ أبي شَامَةَ، وانتهَتْ وَفِيَّاتُ ابنِ رَافِعٍ إلى أولِ سَنَةِ ثَلاثٍ وسَبْعِينَ؛ ولذا قالَ شَيْخُنا: إنَّ تَاريخَه إنباءَ الغَمْرِ يَصْلُحُ من جهةِ الوَفِيَّاتِ أنْ يَكُونَ ذَيْلاً عليه؛ فإنَّه من هذه السنةِ, وقد شَرَعْتُ في ذيلٍ عليه يَسَّرَ اللهُ إكمالَه وتحريرَه. وبالجملةِ فالذيولُ المتأخِّرَةُ أبسَطُ من المتقدِّمةِ وأكثرُ فوائِدَ، وأصلُها ـ وهو كتابُ ابنِ زَبْرٍ ـ أشَدُّها إجحافاً, حتى إنَّه في كلٍّ من سنةِ خَمْسٍ وسِتٍّ وسَبْعٍ وثَلاثِينَ وثَلاثِمائةٍ لم يَكْتُبْ غيرُ رجُلٍ وَاحِدٍ، بل في سَنَةِ أربعِينَ واللَّتيْنِ بعدَها، وكذا في سنةِ خمسٍ وأربعينَ واثنتيْنِ بعدَها، وغيرُ ذلك من السِّنِينَ لم يُؤَرِّخْ أحداً ولأجْلِ إجحافِها قالَ الحُمَيديُّ ما أسْلَفْناه, ومِمَّن صَنَّفَ في الوَفِيَّاتِ أَيْضاً أبو القَاسِمِ بنُ مَنْدَةَ، قالَ الذَّهَبِيُّ: ولم أرَ أكثرَ استيعاباً منه، وقد ذكَرَ ابنُ الصلاحِ من الوفيَّاتِ عُيوناً مُفِيدَةً تَحْسُنُ المذاكرةُ بها ويَقْبُحُ بالطالبِ جَهْلُها معَ مِقدارِ سِنِّ جماعةٍ وبيانِ عِدَّةٍ من المُعمِّرِينَ. فأمَّا الثاني (فاسْتَكْمَلَ النبيُّ) سَيِّدُ العَالَمِينَ طُرًّا، وسَنَدُ المُؤْمِنِينَ ذِخْراً صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وشَرَّفَ وكَرَّمَ, (و) كذا خَلِيفَتُه وصَاحِبُه (الصِّدِّيقُ) أبو بَكْرٍ, و (كذا) ابنُ عَمِّه وزَوْجُ ابنتِه (عَلِيٌّ) هو ابنُ أبي طالبٍ و (كذا الفاروقُ) هو أميرُ المؤمنينَ عمرُ بنُ الخطَّابِ المُسَمَّى قديماً بذلك من النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ؛ لكونِه كما في مرفوعٍ مُرْسَلٍ عندَ ابنِ سَعْدٍ:
(فَرَقَ اللهُ بِهِ بَيْنَ الحَقِّ والبَاطِلِ), والمتأخِّرُ هنا في الذِّكْرِ عن الذي قبلَه للضرورةِ, (ثَلاثَةَ الأعْوَامِ والسِّتِّينَا) أي: ثلاثةً وسِتِّينَ سَنَةً معَ اختلافٍ بينَ الأئمَّةِ في ذلك بالنظَرِ إلى كلٍّ منهم، لكنَّ القولَ به في النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ جاءَ عن أنسٍ وابنِ عَبَّاسٍ ومُعاويةَ رَضِيَ اللهُ عنهم, كما في الصحيحَيْنِ، وعن عَائِشَةَ وجَرِيرٍ البَجَلِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهما مع َمَجِيءِ خِلافِه أيضاً عنهم إِلاَّ مُعاوِيةَ فلم يَجِئْ عنه سِوَاهُ، وبهِ جَزَمَ سعيدُ بنُ المُسَيِّبِ والشَّعْبِيُّ ومُجَاهِدٌ، وكذا قالَ بهِ القاسمُ وأبو إسحاقَ السَّبِيعِيُّ وأبو جَعْفَرٍ محمدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ وابنُ إسحاقَ والبخاريُّ وآخرونَ، وصَحَّحَه ابنُ عَبْدِ البرِّ والجمهورُ، وقالَ أحمدُ وابنُ سَعْدٍ: هو الثَّبَتُ عندَنا. بل حكَى فيه الحاكمُ الإجماعَ، وكذا قالَ النَّوَوِيُّ، اتَّفَقَ العلماءُ على أنه أصَحُّ الأقوالِ، وتَأَلَّوا الباقِيَ عليه، وقيلَ: سِتُّونَ كما ثَبَتَ في (صحيحِ مسلمٍ) عن أنسٍ، ورُوِيَ عن فَاطِمَة ابنةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهو قولُ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ ومالِكٍ، وأوْرَدَه الحاكِمُ في (الإكليلِ)، وصَحَّحَه ابنُ حِبَّانَ في تاريخِه، وهو مخرَّجٌ على أنَّ العربَ قد تُلْغِي الكسورَ وتَقتصِرُ على الأعدادِ الصحيحةِ، وقيلَ: خمسٌ وسِتُّونَ. رُوِيَ عن ابنِ عَبَّاسٍ وأنسٍ أيضاً، ودَغْفَلِ بنِ حَنْظَلَةَ، وقيلَ: اثنتانِ وسِتُّونَ. قالَه قَتادَةُ كما رَواهُ ابنُ أَبِي خَيْثَمَةَ عنه، ونحوُه ما في تاريخِ ابنِ عَسَاكِرَ بسَنَدِه إلى أنَسٍ، قالَ: اثنتانِ وسِتُّونَ ونِصْفٍ، وفي كتابِ ابنِ شَبَّةَ: إحدى أو اثنتانِ، لا أراه بلَغَ ثلاثاً وسِتِّينَ، وهو شاذٌّ، والذي قبلَه إِنَّما يَصِحُّ على القولِ بأنَّه وُلِدَ في رَمَضانَ, وهو شَاذٌّ أيضاً، ثم إنَّ الرواياتِ اختَلَفَتْ في مقدارِ إقامتِه بمَكَّةَ بعدَ البَعْثَةِ فالذي ذَهَبَ إليهِ ابنُ عَبَّاسٍ أنَّه ثلاثَ عَشْرَةَ سنةً، وهو مَحمولٌ على أنَّه عُدَّ من وقتِ مَجِيءِ المَلَكِ إليه بالنبوَّةِ، وقالَ غيرُه: إنَّه عَشْرٌ فَقَطْ، وهو محمولٌ على أنَّه عُدَّ من بعدِ فترةِ الوحيِ ومجيءِ المَلَكِ بـ (يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ).
والقولُ بهِ في الصِّدِّيقِ صَحَّ أيضاً عن أنسٍ ومُعاويةَ، ورَواه ابنُ أبي الدنيا في الخلفاءِ، له من جهةِ عُرْوةَ عن عائِشَةَ, وهو قولُ الأكثرِينَ، وبه جزَمَ ابنُ قَانِعٍ والمِزِّيُّ والذَّهَبِيُّ، وقالَ مُبالغاً في أصَحِّيَّتِه قولاً واحداً، وقيلَ: خمسٌ وسِتُّونَ قالَه قَتَادَةُ، وحَكَاهُ ابنُ الجَوْزِيِّ وهو شَاذٌّ، وقيلَ: اثنتانِ وسِتُّونَ وثَلاثَةُ أشْهُرٍ، واثنانِ وعِشْرونَ يَوْماً. قالَه ابنُ حِبَّانَ في الثِّقَاتِ. والقولُ به في الفاروقِ صَحَّ عن أنسٍ ومُعاويةَ، وهو قولُ الجمهورِ وبه جزَمَ ابنُ إسحاقَ وصَحَّحَه من المُتأخِّرِينَ المِزِّيُّ، واستَدَلَّ له المُصنِّفُ بكونِه وُلِدَ بعدَ الفيلِ بثلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً, يعني فإنَّ مولِدَه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كانَ فيه، وهو تأخَّرَ عن المدَّةِ التي سَبَقَه بها، وقِيلَ: أربعٌ وخَمْسونَ. قالَه بعضُهم، وقيلَ: خمسٌ وخَمْسونَ. رواهُ البُخاريُّ في تاريخِه عن ابنِ عُمَرَ، وبهِ جزَمَ ابنُ حِبَّانَ في الخلفاءِ له، وقيلَ: سِتٌّ وخمسونَ أو سَبْعٌ وخمسونَ أو تسعٌ وخمسونَ، رُوِيَتْ هذه الأقوالُ الثلاثةُ عن نافعٍ مَوْلَى ابنِ عُمَرَ، وقِيلَ: سِتُّونَ. وبه جزَمَ ابنُ قَانِعٍ في (الوَفِيَّاتِ)، وقيلَ: إحْدَى وسِتُّونَ. قالَه قَتَادَةُ، وقيلَ: خَمْسٌ وسِتُّونَ. قالَه ابنُه عبدُ اللهِ والزُّهْرِيُّ فيما حكاهُ ابنُ الجَوْزِيِّ عنهما، وقيلَ: سِتٌّ وسِتُّونَ. قالَه ابنُ عَبَّاسٍ، وتَوقَّفَ شيخُنا في تصحيحِ الأولِ، فقالَ: وفيه نَظَرٌ. فهو وإنْ ثَبَتَ في الصحيحِ من حديثِ جَرِيرٍ عن مُعاويةَ أنَّ عُمَرَ قُتِلَ وهو ابنُ ثلاثٍ وسِتِّينَ فقَدْ عَارَضَه ما هو أظهَرُ منه, فرأيْتُ في أخبارِ البصرةِ لعُمرَ بنِ شَبَّةَ: ثنا أبو عَاصِمٍ, ثنا حَنْظَلَةُ بنُ أبي سُفْيانَ,
سَمِعْتُ سالِمَ بنَ عبدِ اللهِ يُحَدِّثُ عن ابنِ عُمَرَ, سَمِعْتُ عُمَرَ يَقولُ قبلَ أنْ يَموتَ بعامٍ: أنا ابنُ سَبْعٍ وخَمْسِينَ، أو ثمانٍ وخَمْسِينَ، وإِنَّما أتاني الشيبُ من قِبَلِ أخوالي بَنِي المُغِيرَةِ. قالَ: فعلى هذا يَكونُ يومَ ماتَ ابنَ ثَمانٍ وخَمْسِينَ أو تِسْعٍ وخَمْسِينَ وهذا الإسنادُ على شَرْطِ الصحيحِ, وهو يُرَجَّحُ على الأولِ بأنَّه عن عُمَرَ نفسِه، وهو أخْبَرُ بنفسِه من غيرِه، وبأنَّه عن آلِ بيتِه، وآلِ الرجُلِ أتْقَنُ لأمْرِه من غيرِهم. والقولُ بهِ في عليٍّ مرويٌّ عن وَلَدِه محمدِ بنِ الحَنَفِيَّةِ وابنِ عُمَرَ، وهو قولُ ابنِ إسحاقَ وأبي بكرِ بنِ عَيَّاشٍ وأبي نُعَيمٍ الفضلِ بنِ دُكَيْنٍ وآخَرِينَ, وصَحَّحَه ابنُ عَبْدِ البَرِّ، وهو أحَدُ الأقوالِ المَرْوِيَّةِ عن أبي جَعْفَرٍ محمدِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ، وبه صَدَّرَ ابنُ الصلاحِ كَلامَه، وقالَ مُحمدُ بنُ عُمرَ بنِ عَلِيٍّ: إنه تُوُفِّيَ لثلاثٍ أو أربعٍ وسِتِّينَ. وقيلَ: سبعٌ وخمسونَ. قالَه الهَيْثَمُ وأبو بكرِ ابنُ البَرْقِيِّ، وبه صَدَّرَ ابنُ قَانِعٍ كلامَه، وقَدَّمَه ابنُ الجَوْزِيِّ والمِزِّيُّ حِينَ حكايةِ الأقوالِ، وقيلَ: ثَمانٌ وخمسونَ. وهو المذكورُ في تاريخِ البخاريِّ عن أبي جعفرٍ الماضي، وقيلَ: اثنانِ وسِتُّونَ، وبه جزَمَ ابنُ حِبَّانَ في الخلفاءِ له، وقيلَ: أربعٌ وسِتُّونَ أو خَمْسٌ وسِتُّونَ، رَوَيا عن أبي جَعْفَرٍ أيضاً. (و) أما الوَفِيَّاتُ واقتصَرَ منها على الوفاةِ النَّبَوِيَّةِ والعَشَرَةِ المشهودِ لهم بالجَنَّةِ والفقهاءِ الخَمْسةِ, الثوريُّ, ثم الأربعةِ المَشْهورِينَ والحُفَّاظِ الخَمْسَةِ أصحابِ أصولِ الإسلامِ وسَبْعةِ حُفَّاظٍ بعدَهم انتُفِعَ بتصانيفِهم الحَسَنَةِ من زَمَنِهم، وهَلُمَّ جَرًّا، وأردَفَ العَشَرَةَ بجماعةٍ من الصحابةِ مُعمِّرِينَ (فَفِي) شَهْرِ (رَبِيعٍ) هو الأولُ (قَدْ قَضَى) أي: ماتَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ (يَقِينَا) أي: بلا خلافٍ؛ فإِنَّه كادَ أنْ يَكُونَ إجماعاً، لكنْ في حديثٍ لابنِ مَسْعودٍ عندَ البَزَّارِ أنَّه كانَ في حَادي عشَرَ شَهرَ رَمضانَ ـ انْتَهَى. وذلك (سَنَةَ إحْدَى عَشْرَةٍ) بسكونِ المُعْجمةِ على أحَدِ لُغاتِها من الهجرةِ، وكذا لا خِلافَ في كونِه دُفِنَ في بيتِ عَائِشَةَ, وأنَّه كانَ في يومِ الإثنيْنِ، ومِمَّن صَرَّحَ باليومِ من الصحابةِ عائشةُ وابنُ عَبَّاسٍ وأنَسٌ، ومن التابعِينَ أبو سَلَمَةَ بنُ عبدِ الرحمنِ والزُّهْرِيُّ وجعفرٌ الصادِقُ في آخَرِينَ، والخلافُ إِنَّما هو في ضَبْطِه من الشهرِ بعَدَدٍ مُعَيَّنٍ، فجزَمَ ابنُ إسحاقَ وابنُ سَعْدٍ وسعيدُ بنُ عُفَيرٍ وابنُ حِبَّانَ وابنُ عَبْدِ البَرِّ بأنَّه كانَ لاثنتَيْ عَشْرَةَ ليلةً خَلَتْ منه، وبه جزَمَ من المُتأخِّرِينَ ابنُ الصلاحِ والنَّوَوِيُّ في (شَرْحِ مسلمٍ) و(الروضةِ) وغيرُهما من تصانيفِه، والذَّهَبِيُّ في (العِبَرِ)، وصَحَّحَه ابنُ الجَوْزِيِّ، وبه صَدَّرَ المِزِّيُّ كلامَه، وعندَ مُوسَى بنِ عُقْبَةَ وابنِ شِهَابٍ واللَّيْثِ والخَوَارزميِّ أنَّه في مُسْتهَلِّه، وبه جزَمَ ابنُ زَبْرٍ في (الوَفِيَّاتِ)، وعن سُلَيمانَ التَّيْمِيِّ ومحمدِ بنِ قَيْسٍ كما سيأتي عنهما أنَّه لليلتيْنِ خَلَتَا منه، بل يُرْوَى ذلك عن ابنِ عُمَرَ كما أخرَجَه الخطيبُ في الرواةِ عن مالكٍ من روايةِ سعيدِ بنِ سَلْمِ بنِ قُتَيبةَ الباهليِّ: ثَنا مَالِكٌ, عن نافعٍ, عن ابنِ عُمَرَ قالَ: (لَمَّا قُبِضَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مَرِضَ ثَمانِيَةً فتُوُفِّيَ لليلتيْنِ خَلَتَا من رَبيعٍ، ونحوُه ما نقَلَه الطَّبَرِيُّ عن ابنِ الكَلْبِيِّ وأبي مِخْنَفٍ أنَّه في ثانيةِ، وعلى القوليْنِ يَتَنزَّلُ ما نقَلَه الرافعيُّ أنَّه عاشَ بعدَ حُجَّتِه ثمانِينَ يَوْماً، وقيلَ: واحداً وثمانِينَ يوماً. وأمَّا على جزْمِ ما به في (الروضةِ), وعليه الجمهورُ فيَكُونُ عَاشَ بعدَ حُجَّتِه تِسْعِينَ يَوْماً أو أحداً أو تِسْعِينَ. وقد استشَكَلَ السُّهَيلِيُّ ومَن تَبِعَه ما ذهَبَ إليه الجمهورُ من أجلِ أنَّهم اتَّفَقوا على أنَّ ذا الحِجَّةِ كانَ أوَّلُه يومَ الخَمْسِينَ, فمهما فَرَضْتَ الشهورَ الثلاثةَ توامَّ أو نَواقِصَ أو بعضَها لم يَصِحَّ، وهو ظاهِرٌ لمَن تأمَّلَه, وأجابَ الشرفُ ابنُ البارزيِّ ثم ابنُ كَثِيرٍ باحتمالِ وُقوعِ الأشْهُرِ الثلاثةِ كَوَامِلَ، وكانَ أهلُ مَكَّةَ والمدينةِ اخْتَلَفوا في رؤيةِ هلالِ ذي الحِجَّةِ, فرَآهُ أهلُ مَكَّةَ ليلةَ الخميسِ, ولم يَرَه أهلُ المدينةِ إلاَّ ليلةَ الجمعةِ فحَصَلَتِ الوقفةُ برؤيةِ أهلِ مَكَّةَ، ثم رَجَعوا إلى المدينةِ فأرَّخوا برؤيةِ أهلِها، فكانَ أوَّلُ ذِي الحَّجَةِ الجُمُعَةَ وآخرُه السبْتَ، وأوَّلُ المُحرَّمِ الأحدَ وآخرُه الإثنيْنِ، وأوَّلُ صَفَرٍ الثلاثاءَ, وآخرُه الأربعاءَ، وأوَّلُ ربيعٍ الأوَّلِ الخميسَ, فيكونُ ثاني عَشْرَةَ الإثنينَ، وأجابَ البدرُ بنُ جَماعَةَ بجَوابٍ آخرَ فقالَ: يُحْمَلُ قولُ الجمهورِ لاثنتَيْ عَشْرَةَ ليلةً خَلَتْ أي: بأيَّامِها فيَكونُ مَوْتُه في اليومِ الثالثَ عَشَرَ، وتُفْرَضُ الشهورُ كوامِلَ فيَصِحُّ قولُ الجمهورِ. واستبعَدَهما شيخُنا لمخالفةِ الثانِي اصطلاحَ أهلِ اللِّسانِ في قولِهم لاثنتَيْ عَشْرَةَ، فإنَّهم لا يَفْهَمونَ منها إلاَّ مُضِيَّ الليالي، ويكونُ ما أُرِّخَ بذلك واقعاً في اليومِ الثاني عَشَرَ، ولاستلزامِهما معاً توالي أربعةِ أشْهُرٍ كَوَامِلَ معَ جَزْمِ سُلَيْمانَ التَّيْمِيِّ أحدِ الثقاتِ, كما رَواهُ البَيْهَقِيُّ في (الدلائلِ) بسندٍ صحيحٍ: بأنَّ ابتداءَ مَرَضِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كانَ يَوْمَ السبتِ الثاني والعِشْرِينَ من صَفَرَ, وماتَ يومَ الإثنيْنِ لليلتيْنِ خَلَتَا من ربيعٍ, وذلك يَقْتَضِي أنَّ صَفَرَ كانَ ناقصاً, وأنَّ أوَّلَه كانَ يومَ السبتِ, ونحوُه في تَضَمُّنِ كونِ أوَّلِه السبتَ ما في (المَغازِي) لأبي مَعْشَرٍ, عن محمدِ بنِ قيسٍ أنَّه قالَ: اشْتَكَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يومَ الأربعاءِ لإحْدَى عَشْرَةَ بَقِيَتْ من صَفَرَ إلى أنْ قالَ: إِنَّه اشْتَكَى ثلاثةَ عَشَرَ يوماً، وتُوُفِّيَ يومَ الإثنيْنِ لليلتيْنِ خَلَتَا من شهرِ ربيعٍ الأوَّلِ، ولا يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ أوَّلُه السَّبْتَ إِلاَّ أنْ كَانَ ذو الحِجَّةِ، والمُحرَّمُ ناقصيْنِ, وذلك يَسْتلزِمُ نَقْصَ ثلاثةِ أشْهُرٍ مُتواليةٍ, قالَ: والمُعْتَمَدُ ما قالَه أبو مِخْنَفٍ ومَن وَافَقَه مِمَّا رَجَّحَه السُّهَيليُّ أنَّه في ثاني شَهْرِ ربيعٍ الأولِ, وكانَ لفظُ شهرٍ غُيِّرَ مِن أوَّلِ قَائِلٍ بعَشْرٍ, فصَارَ ثَانِي عَشَرَ، واستمَرَّ الوهْمُ بذلك؛ لاقتفاءِ المتأخِّرِ المُتقَدِّمِ بدونِ تأمُّلٍ.
قلتُ: وهو وإنْ سَبَقَه شيخُه المُصنِّفُ إلى المَيْلِ إليه وظَنِّ الغَلَطِ, لكنْ من جِهَةٍ أُخْرَى فإِنَّه قالَ: وعندي أنَّ مَن قالَ: ثاني عَشَرَ. غَلِطَ من المولدِ إلى الوفاةِ, وإِلاَّ فهو مُتعَذِّرٌ من حيثُ التاريخُ إِلاَّ على المَحْمَلِ الماضي له معَ خَدْشِه، مُستلزِمٌ لتوالي الأشْهُرِ الثلاثةِ في النقْصِ، وكلامُه أَوَّلاً مُشْعِرٌ بالتوَقُّفِ في ذلك، وأمَّا ما رَواهُ ابنُ سَعْدٍ من طريقِ عُمرَ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ قالَ: اشتَكَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يومَ الأربعاءِ لليلةٍ بَقِيَتْ من صَفَرَ, فاشْتَكَى ثلاثَ عَشْرَةَ ليلةً، وماتَ يومَ الإثنيْنِ لاثنتَيْ عَشْرَةَ مَضَتْ من شَهْرِ ربيعٍ الأولِ. فمُشْكِلٌ؛ لاستلزامِه أنْ يَكُونَ أوَّلُ صَفَرَ الأربعاءَ، وذلك غيرُ مُطابِقٍ لكونِ أوَّلِ ذِي الحِجَّةِ الخَمِيسَ, مهما فَرَضْتَ الأشْهُرَ الثلاثةَ، وكذا قولُ ابنِ حِبَّانَ وابنِ عبدِ البَرِّ: ثم بدَأَ به مَرَضُه الذي ماتَ منه يومَ الأربعاءِ لليلتيْنِ بَقِيَتَا من صَفَرَ. يَقْتَضِي أنَّ أوَّلَ صَفَرَ الخميسُ, وهو غيرُ مُطابِقٍ أيضاً. وكذا اختُلِفَ في ابتداءِ مَرَضِه ثم مُدَّتِه ثم وَقْتِ وفاتِه ودَفْنِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ. فأمَّا الأولُ: فقالَ الخَطَّابِيُّ: إِنَّه يومُ الإثْنيْنِ أو يومُ السَّبْتِ. وقالَ أبو أحمدَ الحاكِمُ: إنَّه يومُ الأربعاءِ. وأمَّا الثاني فالأكثرُ أنَّها ثلاثةَ عَشَرَ يوماً، وقيلَ: بزِيَادَةِ يوماً، وقيلَ: بنَقْصِه. والقولانِ في (الروضةِ)، وصَدَّرَ بالثاني، وقيلَ: عَشْرَةُ أيَّامٍ. وبه جزَمَ سُلَيمانُ التَّيْمِيُّ في مَغازِيهِ, وأخرَجَه البَيهقِيُّ بإسنادٍ صحيحٍ. وأمَّا الثالثُ: فقالَ ابنُ الصَّلاحِ: إنَّه ضُحًى. وفي الصحيحيْنِ من حديثِ أنَسٍ: آخِرُ نَظْرَةٍ نَظَرْتُها إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ. الحديثَ. وفيه: فألقَى السَّجْفَ، وتُوُفِّيَ من آخرِ ذلك اليومِ. وهو دَالٌّ على أنَّه تأخَّرَ بعدَ الضُّحَى، ويُجْمَعُ بينَهما بأنَّ المرادَ أوَّلُ النِّصْفُ الثاني, فهو آخِرُ وَقْتِ الضُّحَى، وهو مِن آخرِ النهارِ باعتبارِ أنَّه من النصفِ الثاني، وإلى ذلك أشارَتْ عَائشةُ, كما رواهُ ابنُ عبدِ البَرِّ من حَديثِها فقالَتْ: (مَاتَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- وإِنَّا للهِ وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ- ارتفاعَ الضُّحَى وانتصافَ النهارِ). ونحوُه قولِ موسى بنِ عُقْبةَ في مغازيهِ عن ابنِ شِهَابٍ: (تُوُفِّيَ يومَ الإثنيْنِ حَيْثُ زَاغَتِ الشمسُ). وكذا أخرَجَ ابنُ شاهِينَ في (الناسخِ والمنسوخِ) له عن عَلِيٍّ مثلَه. وأمَّا الرابعُ فقيلَ: إنَّه ساعةَ وفاتِه وهي حِينَ زاغَتِ الشمسُ مِن يومِ الإثنيْنِ، وقالَ الحَاكِمُ في (الإكليلِ): إنَّه أصَحُّ الأقوالِ وأثبَتُها. وقيلَ: ليلةَ الثلاثاءِ. رواهُ سَيْفٌ عن هشامٍ, عن أبيهِ، وحَكاهُ الحاكِمُ، وقيلَ: عندَ الزوالِ من يومِ الثلاثاءِ. رواهُ البَيهقِيُّ عن ابنِ عَبَّاسٍ وابنِ شَاهِينَ في الناسخِ عن عَلِيٍّ، ولَفْظُه: أنَّه دُفِنَ يومَ الثلاثاءِ حِينَ زَاغَتِ الشمسُ. وصَدَّرَ به الحاكمُ وابنُ عبدِ البَرِّ كَلامَهما، ونحوُه قولُ الأَوْزاعِيِّ كما عندَ البَيْهقيِّ: تُوُفِّيَ يومَ الإثنيْنِ في ربيعٍ الأولِ قبلَ أنْ يَنتصِفَ النهارُ ودُفِنَ يومَ الثلاثاءِ. وقولُ ابنِ جُرَيجٍ كما عندَ أحمدَ والبَيْهَقِيِّ: (أُخْبِرْتُ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ماتَ فِي الضُّحَى يَوْمَ الإثنيْنِ, ودُفِنَ الغَدَ في الضُّحَى)، وقيلَ: ليلةَ الأربعاءِ. كما في خَبَرٍ عندَ ابنِ إسحاقَ والبيهقيِّ من طريقِه بسَنَدِه عن عائشةَ قَالَتْ: (مَا عَلِمْنَا بدَفْنِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ حَتَّى سَمِعْنَا صَوْتَ المَساحِي من جوفِ الليلِ ليلةَ الأربعاءِ). وكذا رَواهُ أحمدُ من وَجْهٍ آخَرَ عن عَائِشَةَ قَالَتْ: (تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يومَ الإثنيْنِ، ودُفِنَ ليلةَ الأربعاءِ). وعندَ البَيْهقِيِّ من مُرْسَلِ أبي جَعْفَرٍ أنَّه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تُوُفِّيَ يومَ الإثنيْنِ فلَبِثَ ذلك اليومَ وتلك الليلةَ ويومَ الثلاثاءِ إلى آخرِ النهارِ، وكذا ذكَرَ ابنُ سَعْدٍ عن عِكْرِمَةَ أنَّه تُوُفِّيَ يَوْمَ الإثنيْنِ فحُبِسَ بَقِيَّةَ يومِه وليلتِه ومن الغَدِ حَتَّى دُفِنَ من الليلِ، وحَكَاهُ الحاكِمُ, وهو المَشْهورُ الذي نَصَّ عليه غيرُ واحدٍ مِن الأئِمَّةِ سَلَفاً وخَلَفاً، منهم سُلَيمانُ التَّيْمِيُّ وجَعْفَرٌ الصادِقُ وابنُ إِسْحَاقَ ومُوسَى بنُ عُقْبَةَ, وصَحَّحَه من المُتأخِّرِينَ ابنُ كَثِيرٍ. وقِيلَ: يومَ الأربعاءِ كما أسنَدَه ابنُ سَعدٍ أيضاً عن عَبَّاسِ بنِ سَهْلٍ, عن أبيهِ, عن جَدِّه قالَ: (تُوُفِّيَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يومَ الإثنيْنِ فمَكَثَ يومَ الإثنيْنِ والثلاثاءِ حَتَّى دُفِنَ يَوْمَ الأربعاءِ). وهكذا هو عندَ البيهقيِّ من طريقِ مُعْتَمِرِ بنِ سُلَيمانَ التيميِّ عن أبيهِ, قالَ: (لَمَّا فَرَغُوا مِن غُسْلِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وتَكْفِينِه وضَعَوه حيثُ تُوُفِّيَ فصَلَّى عليهِ الناسُ يومَ الإثنيْنِ والثلاثاءِ ودُفِنَ يومَ الأربعاءِ. وقِيلَ: كما رَواهُ البَيْهقيُّ من مُرْسَلِ مَكْحولٍ وفيهِ: (ثُمَّ تُوُفِّيَ فمَكَثَ ثلاثةَ أيَّامٍ لا يُدْفَنُ، يَدْخُلُ عليهِ الناسُ أَرْسالاً أَرْسالاً يُصَلُّونَ عليهِ تَدْخُلُ العُصْبَةُ تُصَلِّي وتُسَلِّمُ, لا يَصِفُّونَ, ولا يُصَلِّي بينَ يَدَيْهِمْ مُصَلٍّ، حَتَّى فرَغَ مَن يُرِيدُ ذلك ثُمَّ دُفِنَ. وهو غَرِيبٌ. وقيلَ: إِنَّه إنَّما أُخِّرَ للاشتغالِ بأمرِ البيعةِ؛ ليَكونَ لهم إمامٌ يَرجِعونَ إلى قولِه؛ لِئلاَّ يُؤَدِّيَ إلى نِزاعٍ واختلافٍ، لا سِيَّما في مَحَلِّ دَفْنِه, وهل يَكُونُ لَحْداً أو شَقًّا. (وقُبِضَا) أي: ماتَ, (عامَ ثلاثَ عَشْرَةَ) بسكونِ ثانيهِ أيضاً بالتنوينِ هناكَ ودونِه هنا من الهجرةِ، أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ (التالي) للنبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بالاستخلافِ والوفاةِ, (الرِّضا) أي: المَرْضِيِّ عندَ اللهِ ورسولِه وصالحِ المؤمنينَ بلا خلافٍ أيضاً في السَّنةِ، قيلَ: في جُمادَى الأولى منها. وهو قولُ الواقديِّ والفلاسِ، وبه جَزَمَ ابنُ الصلاحِ والمِزِّيُّ، وقيلَ: في جُمادَى الآخرةِ. وبه جزَمَ ابنُ إسحاقَ وابنُ زَبْرٍ وابنُ قَانِعٍ وابنُ حِبَّانَ وابنُ عبدِ البَرِّ وابنُ الجَوْزِيِّ والذَّهَبِيُّ في (العِبَرِ)، وقيلَ: في ربيعٍ الأولِ لليلةٍ خَلَتْ منه. رواهُ البَغَوِيُّ، من طريقِ الليثِ، والقائلونَ بالأولِ اخْتَلَفوا في اليومِ، فقِيلَ: يومَ الإثنيْنِ. وقيلَ: لليلةِ الثلاثاءِ لثَمانٍ بَقِينَ منه. رواه ابنُ أبي الدُّنيا في الخلفاءِ له من طريقِ عُرْوةَ عن عائشةَ، بل رُوِيَتْ وفاتُه في مساءِ ليلةِ الثلاثاءِ في صحيحِ البخاريِّ، وأنَّه دُفِنَ قبلَ أنْ يُصْبِحَ من حديثِ وُهَيبٍ, عن هشامٍ, عن أبيهِ، وقيلَ: لثلاثٍ بَقِينَ منه. والقائلونَ بالثاني اخْتَلَفوا أيضاً، فقالَ ابنُ حِبَّانَ: في ليلةِ الإثنيْنِ لسَبْعَ عَشْرَةَ مَضَتْ منه، وقالَ ابنُ إسحاقَ: يومَ الجمعةِ لسبعِ لَيالٍ بَقِينَ منه. وقالَ الباقونَ: لثَمَانٍ بَقِينَ منه. وحكاهُ ابنُ عَبدِ البَرِّ عن أكثرِ أهلِ السِّيَرِ، لكنَّ منهم مَن قالَ: عَشِيَّةَ يومِ الإثنيْنِ أو يومِ الثلاثاءِ أو عَشِيَّةَ ليلةِ الثلاثاءِ. زادَ ابنُ الجوزيِّ: بينَ المغربِ والعشاءِ من ليلةِ الثلاثاءِ, وقيلَ: يومَ الإثنيْنِ. وقيلَ: لثلاثٍ بَقِينَ منه، شَهِيداً؛ لقولِ ابنِ سعدٍ, عن ابنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ, أنَّ أبا بكرٍ والحارثَ بنَ كَلَدَةَ أكَلاَ خَزِيرةً، أُهْدِيَتْ لأبي بكرٍ، فقالَ الحارثُ وكانَ طَبِيباً: ارفَعْ يَدَكَ, واللهِ إِنَّ فيها لسُمَّ سَنَةٍ، فلم يَزَالاَ عَلِيليْنِ حتى ماتَا عندَ انقضاءِ السنةِ في يومٍ واحدٍ, ودُفِنَ معَ صاحبِه ببيتِ عَائِشةَ. (و) ماتَ (لثلاثٍ) من السِّنِينَ (بعدَ عِشْرينَ) سَنَةً في آخرِ يومٍ من ذِي الحِجَّةِ الفَارُوقُ (عُمَرْ), بلا خلافٍ في ذلك أيضاً، ودُفِنَ في مُستهَلِّ المُحرَّمِ سَنَةَ أربعٍ وعِشْرِينَ؛ ولِذَا أرَّخَ الفَلاَّسُ مَوْتَه في غُرَّةِ المُحرَّمِ، وأمَّا قولُ المِزِّيِّ، وتَبِعَه الذهبيُّ: إنَّه قُتِلَ لأربعٍ أو ثلاثٍ بَقِينَ من ذي الحِجَّةِ, فأرادَ بذلك حِينَ طعْنِ أبي لُؤْلُؤَةَ له؛ فإنَّه كانَ عندَ صلاةِ الصبحِ من يومِ الأربعاءِ لأربعٍ. وقيلَ: لثلاثٍ بَقِينَ منه، وعاشَ بعدَ ذلك ثلاثةَ أيَّامٍ، وعليهِ يُحْمَلُ ما رَواهُ ابنُ أبي الدُّنْيَا من حديثِ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ الساعديِّ، قالَ: تُوُفِّيَ عُمَرُ يومَ الأربعاءِ لأربعِ ليالٍ بَقِينَ من ذي الحِجَّةِ. وأمَّا قولُ بعضِهم: إِنَّه ماتَ في يومِ الأربعاءِ لثَمانِ ليالٍ بَقِينَ من ذِي الحِجَّة فغَلَطٌ. ودُفِنَ معَ صَاحِبَيْهِ في بيتِ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنهم. (و) عَامَ (خَمْسَةٍ بعدَ ثَلاثِينَ) عاماً في ذِي الحِجَّة أيضاً (غَدَرْ) بمعجمةٍ ثم مُهْمَلتيْنِ, أي: ترَكَ للوفاءِ بعهدِ الإسلامِ, (عادٍ) بمُهملتيْنِ, بينَهما ألفٌ حَيْثُ تَجاوَزَ الحدَّ في الظُّلْمِ، قِيلَ: إِنَّه جَبَلَةُ بنُ الأيْهَمِ, أو سَوْدانُ بنُ حمرانَ أو رُومانُ اليمامِيُّ أو رُومانُ رجُلٌ من بَنِي أسدِ بنِ خُزَيمةَ, أو غيرُ ذلك, (بعُثْمَانَ) بنِ عَفَّانَ رضِيَ اللهُ عنه, فقَتَلَه, وكونُه جَبَلَةَ رواهُ ابنُ سَعْدٍ عن كِنانَةَ مَوْلَى صَفِيَّةَ قالَ: رأيْتُ قاتِلَ عُثْمانَ في الدارِ رجُلٌ أسْوَدُ مِن أهلِ مِصْرَ يُقالُ لَهُ: جَبَلَةُ. باسطٌ يَدَه أو رَافِعٌ يَدَه يَقولُ: أنا قَاتِلُ نَعْثَلٍ. يعني عثمانَ رضِيَ اللهُ عنه، وعندَه أيضاً عن المُسَيِّبِ بنِ دَارِمٍ قالَ: إِنَّ الذي قتَلَ عُثْمانَ قامَ في قتالِ العَدُوِّ سبعَ عَشْرَةَ كَرَّةً يَقْتُلُ مَن حولَه ولا يُصِيبُه شيءٌ حتى ماتَ على فراشِه. وأمَّا ما ذُكِرَ في وقتِ قَتْلِه فهو الأشهرُ، وقيلَ: إنَّه في سنةِ ستٍّ وثلاثِينَ. قالَ بعضُهم: في أَوَّلِها، وعندَ ابنِ سَعْدٍ أنَّه لثَمانَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ من ذِي الحِجَّةِ أو لسَبْعَ عَشْرَةَ منه أو لليلةٍ بَقِيَتْ منه، كلُّ ذلك منها، وقيلَ: كما في تَاريخِ البخاريِّ: سَنَةَ أربعٍ وثَلاثِينَ. ولكنْ قالَ ابنُ نَاصِرٍ: إِنَّه خَطَأٌ من راويهِ. ثم عَلَى الأشهرِ اخْتَلَفوا في وَقْتِه من الشهرِ، فقِيلَ: في يومِ الجُمُعةِ الثامنَ عَشَرَ منه. كما أوْرَدَه عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ في (فَضائلِ عثمانَ) عن أبيهِ, عن إسحاقَ بنِ الطَّبَّاعِ, عن أبي مَعْشَرٍ، وكذا قالَه الزُّبَيرُ بنُ بَكَّارٍ، وزادَ أنَّ ذلك بعدَ العصرِ، وهذا القولُ هو المشهورُ، بل ادَّعَى ابنُ ناصرٍ الإجماعَ عليه، والخلافُ مَوْجودٌ، فقِيلَ: إِنَّه يومُ الترويةِ لثَمَانٍ خَلَتْ منه. قالَه الواقديُّ، وادَّعى أيضاً الإجماعَ عليه عندَهم، وعن ابنِ إسحاقَ أنه قُتِلَ على رأسِ إحدى عشْرَةَ سَنَةً وأحدَ عَشَرَ شَهْراً أو اثنيْنِ وعِشْرينَ يوماً من خلافتِه, فيكونُ ذلك في ثاني عَشَرَ ذي الحِجَّةِ، وقيلَ: لسبعَ عَشْرَةَ منه. وقيلَ: للَيلتيْنِ بَقِيَتَا منه. وقيلَ كما لأبي عُثْمانَ النهْدِيِّ: في وَسَطِ أيَّامِ التشريقِ، وقِيلَ كما لليثِ بنِ سَعْدٍ لثِنْتَيْ عَشْرَةَ خَلَتْ منه. وقيلَ: لثلاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ منه. وبه صَدَّرَ ابنُ الجوزيِّ كَلامَه. وكذا اختُلِفَ في اليومِ فقِيلَ: ليلةَ الجُمُعةِ. وقيلَ: يَوْمَها. وقيلَ: لَيْلَةَ الأربعاءِ. ودُفِنَ كما قالَه الزُّبَيرُ بنُ بَكَّارٍ: في ليلةِ السَّبْتِ بينَ المغربِ والعشاءِ في حَشِّ كَوْكَبٍ كانَ عُثْمَانُ اشتراه فوَسَّعَ به البَقِيعَ. وكذا اختُلِفَ في مقدارِ عُمُرِه، فقيلَ كما لابنِ إسحاقَ: ثَمانونَ. وقيلَ: اثنتانِ وثَمانونَ. قالَه أبو اليَقْظانِ, يَعْنِي وأشْهُراً, وهو الصحيحُ المشهورُ، وادَّعى الواقديُّ اتِّفاقَ أهلِ السِّيَرِ عليه، وقيلَ: سِتٌّ وثمانونَ. قالَه قَتَادَةُ ومُعاذُ بنُ هشامٍ, عن أبيه، وقيلَ: ثَمانٌ وثَمانونَ. وقيلَ: تِسْعونَ. وزَعَمَ أبو محمدِ بنُ حَزْمٍ أنَّه لم يبلُغِ الثمانِينَ. (كَذَلِكَ) غَدَرَ (بعَلِي) هو ابنُ أبي طَالِبٍ, فقتَلَه غيلةً (في) شهرِ رَمَضانَ من العامِ (الأرْبَعِينَ) من الهجرةِ، عبدُ الرحمنِ بنُ مُلْجِمٍ المُراديُّ أحدُ الخوارجِ مِمَّن كانَ من أهلِ القرآنِ والفِقْهِ وفرسانِ قومِه المعدودينَ بمِصْرَ، وكونُه عَابِداً قَانِتاً للهِ من شيعةِ عَلِيٍّ، لكنَّه بفَتْقِه في الإسلامِ هذا الفَتْقَ العظيمَ الذي زعَمَ به التقرُّبَ إلى اللهِ تعالى خُتِمَ له بِشَرٍّ، وهو (ذُو الشَّقَاءِ الأزَلِي) أي: القديمِ الذي لم يَزَلْ, بل هو أشْقَى هذه الأُمَّةِ بالنصِّ الثابتِ عن الصادقِ المصدوقِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ من حديثِ عَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ بقولِه مُخاطِباً لعَلِيٍّ: (أَشْقَى النَّاسِ الَّذِي عَقَرَ النَّاقَةَ، وَالَّذِي يَضْرِبُكَ عَلَى هَذَا، ووَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ, حَتَّى تُخَضَّبَ هَذِهِ). يَعْنِي لِحْيَتَهُ. ورُوِيَ نحوُه عن صُهَيبٍ, بل يُرْوَى أنَّه حِينَ دَعَا عليٌّ الناسَ إلى البيعةِ جاءَ ليُبايِعَ؛ فرَدَّه عَلِيٌّ، ثم جاءَ فَرَدَّه, ثم جاءَ فبَايَعَه, فقالَ عليٌّ: ما يُحْبَسُ أشْقَاها، أمَا والذي نَفْسِي بيَدِه لَتُخَضِّبَنَّ هذهِ. وأخَذَ بلِحْيَتِه من هذهِ وأخَذَ برَأْسِه، واختُلِفَ في أيِّ وقتٍ كانَ قَتْلُه من الشهرِ المذكورِ، فقِيلَ: لإحْدَى عَشْرَةَ خَلَتْ منه. حَكاهُ ابنُ عبدِ البَرِّ، وقيلَ: في ليلةِ الجُمعةِ لثلاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ منه، وبه صَدَّرَ ابنُ عبدِ البَرِّ كلامَه، وقالَ ابنُ إسحاقَ: في يومِ الجُمُعةِ لسبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ منه. وقالَ ابنُ حِبَّانَ: في ليلةِ الجُمُعةِ المَذْكورةِ, فمَاتَ غَدَاةَ اليومِ، وبه جزَمَ الذهبيُّ في (العِبَرِ). وقالَ ابنُ الجَوزيِّ: ضُرِبَ يومَ الجمعةِ لثلاثَ عَشرَةَ بَقِيَتْ منه. وقالَ أبو الطُّفَيلِ والشَّعْبيُّ وزيدُ بنُ ثابتٍ: إِنَّه ضُرِبَ لثمانَ عَشْرَةَ ليلةً خَلَتْ منه، وقُبِضَ في أولِ ليلةٍ من العشرِ الأواخرِ منه. وقالَ الفَلاَّسُ: لإحْدَى عَشْرَةَ بَقِيَتْ منه. وقالَ ابنُ أبي شَيْبَةَ: قُتِلَ ليلةَ إحْدَى وعِشرينَ, فبَقِيَ الجمعةَ والسَّبْتَ وماتَ ليلةَ الأحدِ. وقيلَ: ماتَ يومِ الأحدِ. وشَذَّ ابنُ زَبْرٍ فقالَ: إِنَّه قُتِلَ ليلةَ الجُمُعةِ لسَبْعَ عَشرَةَ مَضَتْ منه، سَنَةَ تِسْعٍ وثَلاثِينَ؛ ولذا قالَ المُصنِّفُ: إِنَّه وَهِمَ لم أرَ مَن تَابَعَه عليه. وكذا اختُلِفَ في مَحلِّ دَفْنِه فقيلَ: في قَصْرِ الإمارةِ أو في رَحْبِة الكوفةِ أو بنجفِ الحِيرَةِ أو غيرِ ذلك. وجزَمَ الصَّغَانيُّ ومَن تَبِعَه بأنَّه قُتِلَ بالكوفةِ، ودُفِنَ عندَ مَسْجدِ الجماعةِ عندَ بابِ كِنْدَةَ في الرَّحْبَةِ، بل قِيلَ: إِنَّه جُهِلَ مَوْضِعُ قَبْرِه، وقَتَلَ أولادُه بعدَ ذلك قَاتِلَه في شهرِ رَمَضانَ سنةَ أربعٍ وأربعِينَ فقُطِعَتْ أربعتُه ولِسانُه وسُمِلَتْ عَيناهُ ثم أُحْرِقَ. (وطَلْحَةٌ) بالتنوينِ للضرورةِ, هو ابنُ عُبَيدِ اللهِ: (معَ الزُّبَيْرِ) ابنِ العوامِّ، وكلاهما مِن العَشَرَةِ (جُمِعَا) قُتِلاَ في وَقْعَةِ الجَمَلِ: (سَنَةَ سِتٍّ وثَلاثِينَ) من الهجرةِ، بل قِيلَ: في شهرٍ واحدٍ ويومٍ واحدٍ (مَعَا) واختُلِفَ في شهرِ وَقْعةِ الجَمَلِ التي كانتْ بناحيةِ الطفِّ، فقِيلَ: كانتْ لعَشْرٍ خَلَوْنَ من جُمادَى الآخرةِ، وبهِ جزَمَ خَلِيفَةُ بنُ خَيَّاطٍ والوَاقِدِيُّ وابنُ سَعْدٍ وابنُ زَبْرٍ وابنُ الجَوْزيِّ وآخَرُونَ، وهو المشهورُ المعروفُ، ثم اخْتَلَفوا فقالَ خَلِيفَةُ: يومَ الجُمُعةِ. وقالَ ابنُ سَعْدٍ واللذانِ بعدَه والجمهورُ: يومَ الخَمِيسِ. وقيلَ كما لليثِ بنِ سَعْدٍ: إِنَّها كانَتْ فِي جُمَادَى الأولِ. واقتَصَرَ عليهِ ابنُ الصلاحِ حَيْثُ أرَّخَ وَفَاتَهما به، وعَيَّنَه ابنُ حِبَّانَ بعَشْرِ لَيَالٍ خَلَوْنَ منه، وحَكَى القوليْنِ ابنُ عَبْدِ البَرِّ، لكنْ في موضعيْنِ؛ فإِنَّه اقتَصَرَ في تَرْجَمَةِ طلحةَ على الأولِ وفي الزُّبَيْرِ على الثاني، وتَبِعَه في ذلك المِزِّيُّ، وكذا قِيلَ في قتلِ طَلْحَةَ كما لسُلَيمانَ بنِ حَربٍ: إِنَّه في ربيعٍ أو نحوِه، وكما لأبي نُعَيمٍ: إِنَّه في رَجَبٍ، بل قالَه في الزُّبَيرِ أيضاً البخاريُّ، وكذا ابنُ حِبَّانَ، لكنْ قالَ: إنَّه آخرَ يومٍ من صَبِيحَةِ الجَمَلِ. وهذا يَقْضِي أنَّه في حادي عَشَرَ جُمادَى الآخرِ، وقاتِلُ طلحةَ هو مَرْوانُ بنُ الحَكَمِ بنِ أَبِي العاصِ، قالَ ابنُ عَبْدِ البَرِّ بلا خلافٍ أخَذَ بثَأْرِه منه، لكونِه فيما قيلَ: أعانَ على قتلِ ابنِ عَمِّه عثمانَ بنِ عَفَّانَ بنِ أبي العاصِ, فبادَرَ حِينَ نظَرَ إليه في اليومِ المذكورِ وقالَ: لا أطلُبُ ثَأْرِي بعدَ اليومِ، ثم نُزِعَ له بسَهْمٍ فوَقَعَ في عينِ رُكْبَتِه، فما زالَ الدمُ يَسِيحُ إلى أنْ ماتَ، هذا معَ أنَّ كُلاًّ مِن مَرْوَانَ وطَلْحَةَ كَانَا معَ عائشةَ, فهما في حزبٍ وَاحِدٍ، وعُدَّ قَتْلِ طلحةَ من مُوبِقاتِ مَرْوانَ, وقاتِلُ الزُّبَيْرِ عَمْرُو بنُ جُرْمُوزٍ غَدْراً، وقيلَ: إِنَّ ذلك بمعاونةٍ مِن فُضالةَ بنِ حَابِسٍ ونُفَيعٍ, بمكانٍ يُقالُ له: وادي السِّباعِ بعدَ انصرافِه من الجَمَلِ؛ فإِنَّه- كما رواه أبو يَعْلَى- تُوُفِّيَ في اليومِ المذكورِ هو وعَلِيٌّ، فقالَ له عَلِيٌّ: (أنْشُدُكَ اللهَ أَسَمِعْتَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: (إِنَّكَ تُقَاتِلُ عَلِيًّا وأنتَ ظَالِمٌ له)؟ فقالَ الزُّبَيْرُ: نَعَمْ، ولكنْ لم أذْكُرْ ذلك إلى الآنَ وانْصَرَفَ)، زَادَ بعضُهم فبلَغَ الأحنفَ فقالَ: حَمَلَ معَ المُسلمِينَ حتى إذا ضَرَبَ بعضُهم حواجِبَ بعضٍ بالسيفِ أرادَ أنْ يَلْحَقَ ببيتِه, فسَمِعَها عمرٌو فانطَلَقَ فأتاه من خَلْفِه وأعانَه مَن ذَكَرْنا, فقَتَلوه، وأتَى عَمْرٌو بعدَ ذلك مُصْعَبَ بنَ الزُّبَيْرِ فوضَعَ يَدَه في يَدِه فقَذَفَه في السجنِ، فكَتَبَ إليه أخوه عبدُ اللهِ بنُ الزُّبَيرِ: أظَنَنْتَ أَنِّي قَاتِلٌ أعْرابِيًّا من بني تميمٍ بالزُّبَيرِ، خَلِّ سبيلَه. وكان مَبْلَغُ سِنِّهما فيما قالَه ابنُ حِبَّانَ والحاكِمُ أربعاً وسِتِّينَ سَنَةً، وهو قولُ الواقديِّ، ثم ابنِ سعدٍ في طَلْحَةَ خاصَّةً، وفيه أقوالٌ أُخَرُ, فبالنسةِ لطَلْحَةَ قِيلَ: سِتُّونَ. قالَه المَدَايِنِيُّ، وصَدَّرَ به ابنُ عَبْدِ البَرِّ كَلامَه، وقِيلَ: اثنتانِ وسِتُّونَ. قالَه عِيسَى بنُ طَلْحَةَ، وقيلَ: ثَلاثٌ وسِتُّونَ. قالَه أبو نُعَيْمٍ, وقِيلَ: خَمْسٌ وسَبْعونَ. حَكَاه ابنُ عَبدِ البرِّ، وقالَ: ما أظُنُّ ذلك. ودُفِنَ بالبصرةِ, وبالنسبةِ للزُّبَيرِ قيلَ: بضعٌ وخَمْسونَ. وقيلَ: سِتٌّ وسِتُّونَ. وقِيلَ: سَبْعٌ وسِتُّونَ. قَالَهما الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ، وبالثاني منهما صَدَّرَ ابنُ عبدِ البَرِّ كلامَه، وقيلَ: خَمْسٌ وسَبْعُونَ.
(وعَامَ خَمْسَةٍ وخَمْسِينَ) من الهجرةِ على المشهورِ (قَضَى) أي: ماتَ سَعْدٌ, هو ابنُ أبي وَقَّاصٍ أحَدُ العَشَرَةِ وآخرُهم كما تَقدَّمَ مَوْتاً، وقيلَ: خَمْسِينَ أو إحْدَى أو أربعٍ أو سِتٍّ أو سَبْعٍ أو ثَمانٍ، كلُّها بعدَ الخَمْسِينَ، والأولُ قولُ الوَاقِدِيِّ وابنِ سَعْدٍ والهَيْثَمِ ابنِ عَدِيٍّ وابنِ نُمَيرٍ وأَبِي مُوسَى الزَّمِنِ والمَدَايِنِيِّ، وحكاهُ ابنُ زَبْرٍ عن الفَلاَّسِ, ورَجَّحَه ابنُ حِبَّانَ، وقالَ المِزِّيُّ: إِنَّه المَشهورُ. والثاني: قولُ إبراهيمَ بنِ المُنْذِرِ وأبي بَكْرِ بنِ حَفْصِ بنِ عُمَرَ بنِ سَعدٍ، وحكاه ابنُ سعدٍ، والثالثُ: حكاهُ ابنُ عَبْدِ البرِّ عن الفلاَّسِ أيضاً, والزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ والحَسَنُ بنُ عُثْمَانَ، والرابِعُ: حُكِيَ عن الفَلاَّسِ أيضاً وغيرِه، والأخيرُ قالَه أبو نُعَيْمٍ، وذلكَ في قَصْرِه بالعَقيقِ، وحُمِلَ على أعناقِ الرجالِ إلى المدينةِ حتى دُفِنَ بالبَقِيعِ، وسِنُّه قيلَ: ثلاثٌ وسَبْعونَ. وعليه اقتصَرَ ابنُ الصلاحِ، وقيلَ: أربعٍ. وبه جزَمَ الفَلاَّسُ وابنُ زَبْرٍ وابنُ قَانِعٍ وابنُ حِبَّانَ، وقِيلَ: اثنانِ أو ثلاثٌ وثمانونَ. ثانيهما قولُ أحمدَ. (وقَبْلَه سعيدٌ) هو ابنُ زيدٍ أحَدُ العَشَرَةِ؛ (فإنَّه مَضَى) أي: ماتَ على المشهورِ (سَنَةَ إِحْدَى بعدَ خَمْسِينَ) سنةً من الهجرةِ, قالَ الوَاقِدِيُّ والهَيْثمُ وابنُ نُمَيْرٍ والمَدايِنِيُّ ويَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ وخَلِيفَةُ، وقيلَ: سَنَةَ خَمْسِينَ أو التي بعدَها.
قالَه ابنُ عبدِ البَرِّ، وكذا حكاهُ الوَاقِدِيُّ عن بعضِ وَلَدِ سَعيدٍ، وقيلَ: سَنَةَ اثنتيْنِ. قالَه عُبَيدُ اللهِ بنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ، وقِيلَ: ثَمَانٌ. قالَ البخاريُّ في تاريخِه الكبيرِ: ولا يَصِحُّ، فإنَّ سعداً الذي قبلَه في الذِّكْرِ شَهِدَه ونزَلَ حُفْرَتَه ووَفاتَه على الصحيحِ كما تَقدَّمَ قبلَ ذلك، وكانَتْ وَفاتُه- كما قالَه الوَاقِدِيُّ- بالعَقيقِ أيضاً، وحُمِلَ إلى المدينةِ فدُفِنَ بها، وقالَ الهَيْثمُ: إنَّها بالكوفةِ وصَلَّى عليهِ المغيرةُ بنُ شَعْبةَ ودُفِنَ بها ولا يَصِحُّ، وسِنُّه بِضْعٌ وسبعونَ؛ إِمَّا ثلاثٌ, فيما قالَه المَدَايِنِيُّ والهَيثَمُ، أو أرْبَعٌ, فيما قالَه الفَلاَّسُ. (فِي عَامِ اثْنَتَيْنِ وثَلاثِينَ) من الهجرةِ, (تَفِي) أي: تَتِمُّ وتَكْمُلُ, (قَضَى) أي: مَاتَ (ابنُ عوفٍ) هو عبدُ الرحمنِ، أحدُ العَشَرَةِ على المَشْهورِ الذي قالَه عُرْوةُ بنُ الزُّبَيْرِ والواقديُّ والهَيثَمُ والفَلاَّسُ والزَّمِنُّ، والمَدَايِنِيُّ وخَلِيفَةُ ويَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ في روايةٍ وابنُ قَانِعٍ وابنُ الجَوزِيِّ، وقيلَ: إحْدَى وبه صَدَّرَ ابنُ عبدِ البَرِّ كلامَه، وقيلَ: إحْدَى أو اثنتيْنِ. قالَه أبو نُعَيمٍ الأصبهانيُّ وابنُ بُكَيْرٍ في إحْدَى الروايتيْنِ عنه، وقيلَ: ثَلاثٌ, ودُفِنَ بالبَقيعِ، ومَبْلَغُ سِنِّهِ قِيلَ: اثنتانِ وسَبْعونَ. ورُوِيَ ذلك عن وَلَدِه أبي سَلَمَةَ، وقيلَ: خَمْسٌ. قالَه يَعْقوبُ بنُ إبراهيمَ بنِ سَعْدٍ والواقديُّ وابنُ زَبْرٍ وابنُ قَانِعٍ وابنُ حِبَّانَ وأبو نُعَيمٍ، وبه صَدَّرَ ابنُ عبدِ البَرِّ كلامَه، واقتصَرَ عليه ابنُ الصلاحِ, وهو الأشهرُ، وقِيلَ: ثَمانٌ. قالَه إبراهيمُ بنُ سَعْدٍ، وأَوْصَى لكلِّ مَن شَهِدَ بدراً بأربعِمائةِ دينارٍ، وكانوا مِائةَ نَفْسٍ، وصُولِحَتْ إحْدَى زَوْجاتُه عن رُبُعِ الثُّمُنِ بثمانِينَ ألفاً.
(والأَمِينُ) للأُمَّةِ وأحَدُ العَشَرةِ أبو عُبَيدةَ عامِرُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ الجَرَّاحِ, (سَبَقَهْ) أي: سَبَقَ ابنَ عَوْفٍ بالوفاةِ؛ فإِنَّه ماتَ (عَامَ ثَمانِي) بالسكونِ للوزنِ (عَشْرَةٍ) بإمكانِ المُعْجمةِ لُغةً, وبالتنوينِ للضرورةِ من الهجرةِ كما جَزَمَ به ابنُ الصلاحِ حَالَ كونِ وفاتِه في هذا الوقتِ على ما زَادَه المُصنِّفُ, (مُحَقَّقَهْ)؛ لكونِه هو المشهورَ الذي قالَ بهِ الوَاقِدِيُّ وابنُ سعدٍ والفَلاَّسُ وابنُ قَانِعٍ وابنُ حِبَّانَ وابنُ عَبدِ البَرِّ وغيرُهم في طاعونِ عَمَوَاسَ بفَتَحاتٍ, وآخرَه مهملةٌ وقدْ تُسَكَّنُ المِيمُ، اسْمُ مَوْضِعٍ بالشامِ، وأرَّخَها ابنُ مَنْدَةَ وإسحاقُ القرابُ سَنَةَ سبعَ عَشْرَةَ، وقَبْرُه ببِيسانَ, وقِيلَ: بالعادليَّةِ قريباً من عَمْتَا التي بُعْدُها عن بِيسانَ بأكثرَ مِن نصفِ يومٍ، وقالَ ابنُ الجَوزيِّ في (التلقيحِ): قُبِرَ بعَمَواسَ, فلَعلَّه الاسمُ القَدِيمُ للعادِلِيَّةِ، فالعادليَّةُ بلا رَيْبٍ اسمٌ مُحْدَثٌ. ولَمَّا تَمَّ ذِكْرُ وَفِيَّاتِ العَشَرَةبنهم (وعَاشَ حَسَّانٌ) بنُ ثابتِ بنِ المُنذِرِ بنِ حَرَامٍ الأنصاريُّ شاعرُ الرسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، و (كَذَا حَكِيمُ) بنُ حِزَامِ بنِ خُوَيلدِ ابنِ أَخِي أُمِّ المُؤْمِنِينَ خديجةَ، الصحابيَّانِ الشهيرانِ (عِشْرِينَ) سَنَةَ (بعدَ مائةٍ) من السِّنِينِ (تَقُومُ) بدونِ نَقْصٍ, وتَفْصيلُها (سِتُّونَ) في الجاهليَّةِ، ومِثْلُها (فِي الإسلامِ ثُمَّ حَضَرَتْ) بالمدينةِ الشريفةِ وَفاةُ كُلٍّ منهما (سنَةَ أربعٍ وخَمْسِينَ خَلَتْ) أي: مَضَتْ من الهجرةِ, كما قالَ به في مَبْلَغِ سنِّ أَوَّلِهما على هذا التفصيلِ ابنُ عبدِ البَرِّ، بل حَكَى الاتفاقَ عليه؛ فإنَّه قالَ: لم يَخْتَلِفوا أنَّه عاشَ مائةً وعِشْرِينَ سنةً, منها سِتُّونَ في الجاهليَّةِ, وسِتُّونَ في الإسلامِ، وكذا قالَ ابنُ سعدٍ: عاشَ في الجاهليَّةِ سِتِّينَ, وفي الإسلامِ سِتِّينَ، وماتَ وهو ابنُ عِشرينَ ومائةٍ، ومَن قالَ بهِ في مُطْلَقِ كونِه عاشَ مائةً وعشرينَ الجمهورُ، منهم الوَاقدِيُّ، وحَكَاهُ ابنُ حِبَّانَ مُمَرَّضاً، وفي مَبْلَغِ سنِّ ثانيهما على التفصيلِ أيضاً إبراهيمُ بنُ المُنذرِ فيما حكاه البخاريُّ عنه, ومُصْعَبُ بنُ عبدِ اللهِ الزُّبَيْرِيُّ وابنُ حِبَّانَ وابنُ عبدِ البَرِّ، وكما قالَ به في سَنَةِ وفاةِ أَوَّلِهما أبو عُبَيدٍ القاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ وابنُ البَرْقِيِّ, وحكاه عن ابنِ هشامٍ، وجزَمَ به الذَّهِبِيُّ في (العِبَرِ)، وفي وُفاةِ ثانيهما الواقديُّ والهَيْثَمُ وابنُ نُمَيرٍ والمَدَايِنِيُّ ومُصْعَبٌ الزُّبَيريُّ وإبراهيمُ بنُ المنذرِ الحزاميُّ وخَلِيفةُ بنُ خَيَّاطٍ وأبو عُبَيدٍ ويَحْيَى بنُ بُكَيرٍ وابنُ قَانِعٍ، وقالَ ابنُ حِبَّانَ: إنَّه الصحيحُ. وبهِ جزَمَ ابنُ عبدِ البَرِّ، وكذا جزَمَ ابنُ الصلاحِ بكِلا الأمريْنِ في كلٍّ منهما إلاَّ حَسَّانَ, فحَكَى في وفاتِه قولاً آخرَ فقالَ: وقِيلَ: ماتَ سَنَةَ خَمْسِينَ. انْتَهَى. وحَكَاهُ ابنُ عبدِ البَرِّ أيضاً، وقيلَ: قبلَ الأربعينَ في خلافةِ عَلِيٍّ، قالَه خَلِيفَةُ، وبه صَدَّرَ ابنُ عبدِ البَرِّ كلامَه، وقيلَ: في سنةِ أربعينَ. قالَه الهَيثمُ والمَدَايِنِيُّ والزَّمِنُ وابنُ قَانِعٍ، ونحوُه قولُ ابنِ حِبَّانَ: ماتَ أيَّامَ قتلِ عَلِيٍّ، بل اختُلِفَ في مَبْلَغِ سِنِّهِ أيضاً، فقيلَ: مائةٌ وأربعُ سِنِينَ. وبهِ جزَمَ ابنُ أبي خَيْثَمَةَ عن المَدَايِنِيِّ، وكذا قالَ ابنُ حِبَّانَ، وقالَ ابنُ البَرْقِيِّ: مائةٌ وعشرونَ أو نحوها. كما أنَّه اختُلِفَ في سَنَةِ وفاةِ ثانيهما, فقيلَ: سَنَةَ خَمْسِينَ. وقيلَ: ثَمَانٍ وخَمْسِينَ. وقيلَ ـ وهو للبخاريِّ ـ: سَنَةَ سِتِّينَ، وعلى كلِّ حالٍ فالتحديدُ بالسِّتِّينَ في الزمنيْنِ لكلٍّ منهما فيه نَظَرٌ، أما حَسَّانُ؛ فلأنَّه رُوِيَ أنَّه لَمَّا قَدِمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ المدينةَ كانَ ابنَ سِتِّينَ سَنَةً، وهو غيرُ مُلْتَئِمٍ بذلك معَ كلٍّ من الأقوالِ في وَفاتِه؛ لأنَّه على القولِ بأنَّها سنةَ أربعِينَ يَكُونُ قدْ بَلَغَ مائةً أو دونَها، أو سَنَةَ خَمْسِينَ يَكُونُ بَلَغَ مائةً وعَشْرَةً، أو سَنَةَ أربعٍ وخَمْسِينَ يَكُونُ بَلَغَ مائةً وأربعَ عَشْرَةَ، وهو أقْرَبُها؛ فإِنَّه يَتمَشَّى على طريقةِ جَبْرِ الكسرِ، ويُستَأنَسُ له بقولِ ابنِ البَرقيِّ كما تقدَّمَ وهو ابنُ عِشْرِينَ ومائةِ سنةٍ أو نحوِها, وأمَّا حَكِيمٌ؛ فلأنَّه كانَ وَلَدُه, كما رواهُ موسى بنُ عُقْبةَ عن أبي حَبِيبَةَ مولَى الزُّبَيْرِ عنه قبلَ عامَ الفيلِ بثلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وحَكَى الواقديُّ نَحْوَه، وزادَ: وذلك قبلَ مولِدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بخَمْسِ سِنِينَ، وكانَ كما حَكَاهُ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ في جوفِ الكعبةِ، وهو غيرُ مُلْتَئِمٍ أيضاً بذلك تحديداً معَ أقوالِ وَفاتِه كما لا يَخْفَى، وتحديدُ أنَّ مولدَه قبلَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بخمسٍ لا يَلْتئِمُ معَ كونِه قبلَ الفيلِ بثلاثَ عَشْرَةَ معَ القولِ بأنَّ مولدَه الشريفَ عامَ الفيلِ. (وفَوْقَ حَسَّانٍ) بالتنوينِ للضرورةِ، المذكورِ أوَّلاً من آبائِه ثلاثةٌ في نَسَقٍ، وهم أبوه ثَابِتٌ وأبوه المُنْذِرُ وأبوه حَرَامٌ، (كذا عَاشُوا) أي: مِائةً وعِشْرِينَ كما أَوْرَدَه ابنُ سَعْدٍ عن حَفيدِ حَسَّانَ سعيدِ بنِ عبدِ الرحمنِ، وفي آخرِه قالَ: كانَ عبدُ الرحمنِ وَلَدُ حَسَّانَ إذا ذُكِرَ هذا اسْتَلْقَى على فراشِه، وضَحِكَ وتَمدَّدَ كأنَّه لسُرورِه يَأْمُلُ حَياتَه كذلك، فمَاتَ وهو ابنُ ثَمانٍ وأرْبَعِينَ سَنَةً، لكنْ قَدْ رُوِّينا في الزُّهْدِ للبيهقيِّ من طريقِ ابنِ إسحاقَ عن سعيدٍ فقالَ: إنَّ كُلاًّ من الأربعةِ عاشَ مائةً وأربعَ سِنينَ. قالَ سعيدٌ: وكانَ عبدُ الرحمنِ إِذَا حَدَّثَنَا هذا الحديثَ أشْرَأَبَّ لهذا وثَنَى رِجْلَيهِ، على مثلِها، فماتَ وهو ابنُ ثَمَانٍ وأَرْبعينَ سَنَةً. وكأنَّ هذا هو سَلَفُ ابنِ حِبَّانَ في اقتصارِه على هذا القدرِ في أسنانِهم، ثم قالَ: وقد قيلَ: لكلِّ واحدٍ منهم عشرونَ ومائةُ سنةٍ، ولم يَحْكِ ابنُ الصلاحِ غيرَه، قالَ أبو نُعَيمٍ الأصبهانيُّ: (وَمَا لغَيْرِهم) أي: الأربعةِ من العربِ, (يُعرَفُ) مثلُ (ذا) مُتوالِياً. (قُلْتُ): لكنْ في الصحابةِ (حُوَيْطِبُ) بمهملتيْنِ، الثانيةُ مكسورةٌ، مُصَغَّرٌ (ابنُ عبدِ العُزَّى) العامريُّ (معَ ابنِ يَرْبُوعٍ) كيَنْبُوعٍ, (سَعِيدٍ يُعْزَى) أي: يُنْسَبُ (هذانِ معْ) بإسكانِ العينِ, (حَمْنَنِ) بفتحِ المهملةِ ثم ميمٍ ساكنةٍ بعدَها نونٌ مفتوحةٌ ثم أُخْرَى بدونِ تنوينٍ للضرورةِ كما للزُّبَيرِ في النَّسَبِ والأميرِ وغيرِهما وهو المُعْتمَدُ, وضَطَبَه الوزيرُ المغربِيُّ: بزاءٍ بدَلَها وقالَ: هو مُشتَقٌّ من الحَمرةِ وهي الصُّعوبةُ، وقالَ: ونُونُه زائدةٌ، ابنِ عوفٍ أخي عبدِ الرحمنِ بنِ عَوْفٍ (و) معَ مَخْرَمَةَ (ابنِ نَوْفَلِ) والدِ المِسْوَرِ (كُلٌّ) من هؤلاءِ الأربعةِ وهم قُرَشِيُّونَ (إلى وَصْفِ) *** حَسَّانَ و (حَكِيمٍ) في كونِ كلٍّ منهم صَحابِيًّا، وعاشَ مائةً وعِشرينَ سَنَةً, نِصْفُها في الجاهليَّةِ، ونِصْفُها في الإسلامِ, كما رَواهُ الوَاقِدِيُّ في أَوَّلِهم عن إبراهيمَ بنِ جَعْفَرِ بنِ محمودٍ عن أبيهِ، وبه جزَمَ ابنُ حِبَّانَ، ونحوُه قولُ ابنِ عَبدِ البرِّ: أدرَكَه الإسلامُ وهو ابنُ سِتِّينَ أو نَحْوِها، وكما قالَه الواقديُّ وخَلِيفةُ وابنُ حِبَّانَ في ثانيهم، وكما قالَه الزُّبَيرُ والدارقطنيُّ وابنُ عبدِ البَرِّ في ثالثِهم, وأنَّه بعدَ إسلامِه لم يُهاجِرْ إلى المدينةِ، وكما قالَه في الرابعِ الوَاقِدِيُّ فقالَ: يُقالُ: إنَّه كانَ له حِينَ ماتَ مائةٌ وعشرونَ سَنَةً. وبه جزَمَ أبو زَكَرِيَّا ابنُ مَنْدَةَ في جزءٍ له سَمِعتُه فيمَن عاشَ هذهِ المُدَّةَ من الصحابةِ (فاجْمِلِ) عَدَدَهم سَنَةً، غيرَ أنَّ مُدَّةَ الزَّمنيْنِ ليسَتْ في الأوَّلَيْنِ من هؤلاءِ الأربعةِ، وكذا الأخيرُ على السواءِ؛ لأنَّ وَفاتَهم كانتْ في سَنَةِ أربعٍ وخَمْسِينَ، وإسلامُهم كانَ في فتحِ مَكَّةَ، فسواءٌ اعْتَبَرْنَا زمنَ الإسلامِ به أو بالهجرةِ أو البَعْثَةِ، لا يَلْتَئِمُ التحديدُ بذلك؛ ولذا قيلَ في ثانيهم أيضاً: إِنَّه بَلَغَ مائةً وأربعاً وعشرينَ سَنَةً. وبه صَدَّرَ ابنُ عَبْدِ البرِّ كلامَه. ومِمَّن قالَ بوفاةِ الأربعةِ في سَنَةِ أربعٍ ابنُ حِبَّانَ، وبها في الأولِ والثالِثِ فقط الهَيْثَمُ وابنُ قَانِعٍ، وفي الأوَّلَيْنِ فقط خَلِيفَةُ وأبو عُبَيدٍ القاسِمُ وابنُ عبدِ البَرِّ، وفي الأولِ فقط الزَّمِنُ ويحيى بنُ بُكَيْرٍ، وفي الثاني فقط الواقدِيُّ، وفي الثالثِ فقط ابنُ نُمَيْرٍ والمداينِيُّ ولم نَجِدْ عن أحدٍ خلافَه فيهم إلاَّ الأولَ، فقيلَ فيه أيضاً: إِنَّها في سنةِ اثنتيْنِ وخَمْسِينَ، وكانتْ وَفاتُهم بالمدينةِ إِلاَّ الثالثَ فبمَكَّةَ، بل قِيلَ في الثاني أيضاً: إنَّه تُوُفِّيَ بها، وكذا قيلَ في نَوْفلِ بنِ مُعاويةَ الدِّيلِيِّ: إنَّه عاشَ في الجاهليَّةِ سِتِّينَ وفي الإسلامِ سِتِّينَ، ومِمَّنَ جَزَمَ بذلك الواقديُّ ثم ابنُ عَبْدِ البَرِّ، وكانتْ وَفَاتُه بالمدينةِ في خلافةِ مُعاويةَ. (وفي الصَّحَابِ) بالفتحِ والكَسْرِ، جَمعُ صَاحِبٍ كما تَقدَّمَ في كنايةِ الحديثِ, (سِتَّةٌ) أيضاً (قَدْ عُمِّرُوا) هذا السنَّ، ولكنْ لم يُعلَمْ كونُ نِصْفِه في الجاهليَّةِ ونصفِه في الإسلامِ؛ لتَقَدُّمِ وفاتِهم على المذكورِينَ أو تَأخُّرِها أو لعَدَمِ مَعرفةِ تاريخِها، ذَكَرَه إلاَّ الثالِثَ أبو زَكَرِيَّا بنُ مَنْدةَ في الجزءِ المشارِ إليه، وهم سعدُ بنُ جُنادةَ العَوْفِيُّ الأنصاريُّ وَالِدُ عَطِيَّةَ، ذَكَرَه أبو عبدِ اللهِ بنُ مَنْدَهْ في الصحابةِ، ولكنْ لم يذكُرْ عُمُرَه، وعاصِمُ بنُ عَدِيِّ بنِ الجَدِّ العجلانيُّ صَاحِبُ عُوَيْمرٍ العجلانيِّ في قِصَّةِ اللِّعانِ، حَكَى ابنُ عبدِ البَرِّ, عن عبدِ العزيزِ بنِ عِمْرانَ, عن أبيهِ, عن جَدِّه عبدِ العزيزِ بنِ عُمَرَ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ عَوْفٍ, أنَّه عاشَ مائةً وعشرينَ سَنَةً، وكذا ذكَرَ أبو زَكَرِيَّا، وأمَّا ابنُ عبدِ البَرِّ فقالَ: إنَّه تُوُفِّيَ سنةَ خمسٍ وأربعينَ وقدْ بلَغَ قريباً من عشرينَ ومائةِ سنةٍ، وقالَ الواقديُّ وابنُ حِبَّانَ: إِنَّه بلَغَ مائةً وخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وعَدِيُّ بنُ حَاتِمٍ الطَّائِيُّ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وسِتِّينَ عن مائةٍ وعِشْرِينَ سَنَةً، قالَ ابنُ سَعْدٍ وخليفةُ، وقيلَ: سَنَةَ سِتٍّ. وقيلَ: سَبْعٍ وسِتِّينَ. واللجْلاجُ العامريُّ ذكَرَ ابنُ سميعٍ وابنُ حِبَّانَ أنَّه عاشَ مائةً وعِشْرينَ سَنَةً، وكذا حَكَاهُ ابنُ عبدِ البرِّ عن بعضِ بني اللجلاجِ، والمُنْتَجِعُ جَدُّ ناجِيَةَ، ذكَرَه العَسْكَرِيُّ في الصحابةِ، وقالَ: كانَ له مائةٌ وعشرونَ سَنَةً, ولا يَصِحُّ حَدِيثُه, ونافعٌ أبو سُلَيمانَ العَبْدِيُّ, رَوَى إسحاقُ ابنُ رَاهْوَيْهِ عن وَلَدِه سُلَيْمانَ قالَ: ماتَ أبي وَله عشرونَ ومائةُ سَنَةٍ، وكذا ذكَرَ ابنُ قَانِعٍ, (كذاكَ في المُعمِّرِينَ ذُكِرُوا), بل نَظَمَهم البرهانُ الحَلَبِيُّ في بيتٍ فقالَ: مُنْتَجِعٌ ونَافِعٌ معْ عَاصِمِ *** وسَعْدٌ لَجْلاجٌ معَ ابنِ حَاتِمِ قالَ: وإنْ شِئْتَ قُلْتَ، وهو أحسَنُ: وسعدٌ اللَّجْلاجُ وابنُ حَاتِمِ.
وفي المُعَمِّرِينَ جماعةٌ من الصحابةِ مِمَّن زادَ سِنُّهم على القدرِ المذكورِ، منهم سَلْمانُ الفارسيُّ، فرَوَى أبو الشيخِ في طَبَقاتِ الأصبهانِيِّينَ من طريقِ العَبَّاسِ بنِ يَزِيدَ، قالَ: أهْلُ العلمِ يَقُولونَ: إِنَّه عاشَ ثَلاثَمائةٍ وخمسينَ سَنَةً. فأمَّا مائتيْنِ وخمسينَ فلا يَشُكُّونَ فيها، وقالَ الذَّهَبِيُّ: وَجَدْتُ الأقوالَ في سِنِّه كُلَّها دَالَّةً على أنَّه جاوَزَ المائتيْنِ وخَمْسِينَ والاختلافِ إِنَّما هو في الزَّائِدُ، قالَ: ثُمَّ رَجَعْتُ عن ذلك وظَهَرَ لي أنَّه ما زَادَ عَلِيٌّ الثمانِينَ، كذا قالَ: وقردةُ أو فَرْوَةُ بنُ نُفَاثَةَ السلوليُّ، قالَ أبو حَاتِمٍ السِّجْسِتَانِيُّ في المُعمِّرِينَ: قالوا: إنَّه عاشَ مائةً وأربَعِينَ سَنَةً، وأدرَكَ الإسلامَ فأسْلَمَ وكذا رُوِّيناهُ في (الزُّهْدِ) للبيهقيِّ من جِهةِ هشامِ بنِ مُحمدٍ قالَ: عاشَ فَرْوةُ بنُ نُفاثَةَ أربعينَ ومائةَ سَنَةٍ، وأدْرَكَ الإسلامَ فأسْلَمَ وأنشَدَ أبياتاً، والنابغةُ الجَعْدِيُّ الشاعرُ الشهيرُ، قالَ عُمَرُ بنُ شَبَّةَ عن أشياخِه: إِنَّه عُمِّرَ مائةً وثمانِينَ سَنَةً، وعن ابنِ قُتيبَةَ أنَّه ماتَ وله مَائتانِ وعِشْرونَ سَنَةً، وعن الأصْمَعِيِّ أنَّه عاشَ مَائتيْنِ وثلاثينَ، وفي المُخَضْرَمِينَ الربيعُ بنُ ضَبُعِ بنِ وَهْبٍ الفَزارِيُّ جَاهِلِيٌّ أدرَكَ الإسلامَ، ويُقالُ: إِنَّه عاشَ ثلاثَمائةِ سَنَةٍ, منها سِتُّونَ في الإسلامِ، بل يُقالُ: إنَّه لم يُسلِمْ. والمُعْتَمَدُ خلافُه، وأنَّه قالَ: عِشْتُ مائتَيْ سَنَةٍ في فترةِ عِيْسَى, وسِتِّينَ في الجاهليَّةِ, وسِتِّينَ في الإسلامِ وهو القائِلُ: إِذَا جَاءَ الشِّتَاءُ فَأَدْفِئُونِي *** فَإِنَّ الشيخَ يَهْدِمُهُ الشِّتَاءُ وأمَّا حِينَ يَذْهَبُ كُلُّ قَرٍّ *** فسِرْبَالٌ خَفِيفٌ أو رِدَاءُ.
وفي استيفاءِ ذلك طولٌ. ولَمَّا تَمَّ ذِكْرُ المُعمِّرِينَ أرْدَفَ بأصحابِ المَذَاهِبِ, (وقُبِضَ) أي: ماتَ أبو عبدِ اللهِ سفيانُ بنُ سَعيدٍ (الثوريُّ) نسبةً لثورِ بنِ عبدِ مَناةِ بنِ أدِّ بنِ طَابِخَةَ على الصحيحِ، وقيلَ: لثورِ هَمْدانَ. الكوفيُّ أحدُ الأئمَّةِ من الحُفَّاظِ والفقهاءِ المَتْبوعِينَ إلى بعدِ الخَمْسِمائةِ حَسْبَما ذكَرَه فيهم الغزاليُّ في (الإحياءِ) (عامَ إحْدَى من بعدِ سِتِّينَ وقَرْنٍ عُدَّا) أي: سنةَ إحدى وسِتِّينَ ومائةٍ بالإجماعِ, كما قالَه ابنُ سعدٍ، ومِمَّن أرَّخَه كذلك أبو دَاوُدَ الطَّيالِسِيُّ وابنُ مَعِينٍ وابنُ حِبَّانَ وزَادَ: في شعبانَ في دارِ عبدِ الرحمنِ بنِ مَهْدِيٍّ, يعني بالبَصْرةِ، ويحيى بنُ سَعيدٍ وزَادَ في أَوَّلِها، واختُلِفَ في مَوْلِدِه فقالَ العِجْلِيُّ وابنُ سعدٍ وغيرُهما: سَنَةَ سبعٍ وتِسْعِينَ، وقالَ ابنُ حِبَّانَ: سَنَةَ خَمْسٍ وتِسْعِينَ. (وبعدُ) أي: بعدَ الثوريِّ وذلك (في) سَنَةِ (تِسْعٍ) بتقديمِ المُثنَّاةِ الفوقانيَّةِ (تَلِي سَبْعِيناً) بتقديمِ السينِ المهملةِ من بعدِ مائةٍ, كانتْ (وَفَاةُ) إمامِ دارِ الهجرةِ وأحَدِ المُقلَّدِينَ أبي عبدِ اللهِ (مَالِكٍ) هو ابنُ أنَسٍ فيما قالَه الوَاقِدِيُّ وأحمدُ وعُبَيدُ اللهِ بنُ عُمَرَ القَوَارِيرِيُّ والقَعنَبِيُّ وأبو بكرِ بنُ أبي الأسودِ وعَلِيُّ بنُ المَدِينِيِّ وعبدُ اللهِ بنُ نافعٍ الصائغُ وأصبغُ بنُ الفَرَجِ وأبو مُصعَبٍ والمدائنيُّ وأبو نُعَيمٍ ومُصعَبُ بنُ عبدِ اللهِ، وزادَ في صَفَرَ، وإسماعيلُ بنُ أَبِي أُوَيسٍ وقالَ: في صَبيحةِ أربعَ عَشْرَةَ من شَهْرِ ربيعٍ الأولِ, وأبو طَاهِرٍ بنُ السَّرْحِ، وقالَ: في يومِ الأحدِ لثلاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ منه, ويَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وقالَ: لعَشْرٍ مَضَيْنَ منه. وهي في هذهِ السَّنَةِ باتِّفاقٍ, وبه جزَمَ الذَّهَبِيُّ في العِبَرِ، وشَذَّ هِقْلُ بنُ زِيادٍ فيما رواه ابنُ فِهْرٍ من جِهَتِه فقالَ: سَنَةَ ثَمانٍ, وهو ابنُ خَمْسٍ وثَمَانِينَ أو سَبْعٍ أو تِسْعٍ أو تِسْعِينَ بالمدينةِ في خلافةِ هَارُونَ, ودُفِنَ بالبَقيعِ وقَبْرُه هناك عليه قُبَّةٌ، واختُلِفَ في مولِدِه فقِيلَ: سَنَةَ تِسْعٍ وثَمَانِينَ, قالَه الوَاقِدِيُّ وهو غريبٌ، وقيلَ: تسعينَ. وبه جزَمَ أبو مُسْهِرٍ, وقيلَ: إحدى. وقيلَ: اثنتيْنِ. قالَه أبو داودَ السِّجْسِتانِيُّ، وقيلَ: ثلاثٍ. وهو أشهرُ الأقوالِ، ونُسِبَ لأبي دَاوُدَ أيضاً، وبه جزَمَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ وأنَّه سَمِعَه كذلك من مالكٍ نَفْسِه، وادَّعَى ابنُ حَزْمٍ الإجماعَ عليه وهو مَرْدودٌ، وقيلَ: سَنَةَ أربعٍ. قالَه محمدُ بنُ عبدِ الحكمِ وإسماعيلُ بنُ أبي أُوَيْسٍ وزادَ: في خلافةِ الوليدِ، وزادَ غيرُه: في ربيعٍ الأولِ، بهذهِ السنةِ جَزَمَ الذهبيُّ، ويُرْوَى عن ابنِ عبدِ الحكمِ أيضاً أنَّه في سنةِ ثلاثٍ أو أربعٍ، وقيلَ: سنةَ خمسٍ. قالَه الشيخُ أبو إسحاقَ, ويُرْوَى عن ابنِ المَدِينِيِّ، وقيلَ: سنةَ سَتٍّ. فيما قالَ أبو مُسْهِرٍ أيضاً، وقيلَ: سنةَ سبعٍ. ومكَثَ حَمْلاً في بطنِ أُمِّه ثلاثَ سِنِينَ في الأكثرِ وقيلَ: أكثرَ منها. وقيلَ: سَنَتيْنِ. وكانَ موضِعُ مَوْلِدِه بذِي المروةِ فيما قالَه يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ. (وفِي الخَمْسِينَا ومِائةٍ) من السِّنِينَ الإمامُ المُقَلَّدُ أحَدُ من عُدَّ في التابعِينَ (أبو حَنِيفَةَ) النُّعْمانُ بنُ ثابتٍ الكوفيُّ (قَضَى) أي: ماتَ, وهذا هو المحفوظُ, كما قالَه رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ والهَيْثَمُ وقنبُ بنُ المُحرِّرِ وأبو نُعَيْمٍ الفَضْلُ بنُ دُكَيْنٍ وسعيدُ بنُ كَثِيرِ بنِ عُفَيْرٍ, وزادَ: في رَجَبٍ، وكذا قالَ ابنُ حِبَّانَ، وقالَ أبو بَكْرِ بنُ أبي خَيْثَمَةَ عن ابنِ مَعِينٍ: سَنَةَ إِحْدَى، وقالَ مَكِّيُّ بنُ إبراهيمَ البَلْخِيُّ: سَنَةَ ثلاثٍ، وذلك ببغدادَ, وقبرُه هناك ظَاهِرٌ يُزَارُ، ومولِدُه فيما قالَه حَفِيدُه إسماعيلُ بنُ حَمَّادٍ: سَنَةَ ثَمَانِينَ.
(و) إِمامُنا الأعظمُ أبو عبدِ اللهِ مُحمدُ بنُ إدْرِيسَ (الشافعيُّ بعدَ قرنيْنِ) كاملَيْنِ (مَضَى) أي: ماتَ, (لأربعٍ) من السِّنِينَ بعدَهما، قالَه الفَلاَّسُ ويُوسُفُ القراطيسُ ومحمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ الحَكَمِ، وزادَ: في آخرِ يومِ من شَهْرِ رَجَبٍ، وقالَ ابنُ يُونُسَ: في ليلةِ الخميسِ آخرَ ليلةٍ منه، وقالَ الربيعُ بنُ سُلَيمانَ: في ليلةِ الجُمُعةِ بعدَ العصرِ آخرَ يومٍ منه، وأشْرَفْنا من جنازتِه فرَأَيْنا هلالَ شَعْبانَ، وفي روايةٍ عنه ليلةَ الجُمُعةِ بعدَ عِشاءِ الآخرةِ, وكانَ قد صَلَّى المغربَ، وأمَّا ابنُ حِبَّانَ فقالَ: في شَهْرِ ربيعٍ الأوَّلِ، ودُفِنَ عندَ مغربانِ الشمسِ بالفُسْطاطِ, ورَجَعوا فرَأَوْا هلالَ شهرِ رَبيعٍ الآخرِ. والأوَّلُ أشهرُ، وقالَ ابنُ عَدِيٍّ: إنَّه قرَأَه على لوحٍ عندَ قَبْرِه, وقبرُه ظَاهِرٌ يُزارُ، ورَامُوا تحويلَه فيما قِيلَ بعدُ إلى بغدادَ وشَرَعوا في الحَفْرِ حينَ عَجْزِ المِصْرِيِّينَ عن الدفْعِ، فلَمَّا وَصَلوا لقُرْبِ اللَّحْدِ الشريفِ فاحَ منه رِيحٌ طَيِّبٌ ما شَمُّوا مثلَه بحيثُ سَكِرُوا من طِيبِ رَائِحَتِه، وما تَمَكَّنُوا معَه من التوَصُّلِ فكَفُّوا وصارَ ذلك مَعْدوداً في مَناقِبِه، ومَوْلِدُه سَنَةَ خَمْسِينَ ومائةٍ، فعاشَ أربعاً وخَمْسِينَ، قالَه ابنُ عبدِ الحَكَمِ والفَلاَّسُ وابنُ حِبَّانَ: وهو أشهرُ وأصَحُّ، وقيلَ كما لابنِ زَبْرٍ: اثنتيْنِ وخَمْسِينَ. (ثُمَّ قَضَى) أي: ماتَ (مَأْموناً) من مِحْنةِ السلطانِ وفِتْنَةِ الشيطانِ الإمامُ المُقلَّدُ أبو عبدِ اللهِ (أحمدُ) بنُ مُحمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ (في) سَنَةِ (إحْدَى وأرْبَعِينَا) بعدَ المائتيْنِ على الصحيحِ المشهورِ، واخْتَلَفوا في كلٍّ من الشهرِ واليومِ، فقالَ ابنُه عبدُ اللهِ: يومَ الجمعةِ ضَحْوَةً, ودَفَنَّاه بعدَ العصرِ لاثنتَيْ عَشْرَةَ ليلةً خَلَتْ من ربيعٍ الآخرِ، وهكذا قالَ الفَضْلُ بنُ زِيادٍ، وقالَ نصرُ بنُ القاسمِ الفَرَائِضِيُّ: يومَ الجمعةِ في شهرِ ربيعٍ الأولِ. وقالَ عَبَّاسٌ الدوريُّ ومُطَيَّنٌ: لاثنتَيْ عَشْرَةَ خَلَتْ منه. زادَ عَبَّاسٌ: يومَ الجمعةِ لثَلاثَ عَشْرَةَ بَقِينَ منه, وقالَ ابنُ عَمِّه حَنْبَلُ بنُ إسحاقَ بنِ حَنْبَلٍ: ماتَ يومِ الجُمُعةِ ببغدادَ, وقَبْرُه ظاهِرٌ يُزَارُ، ومَوْلِدُه- فيما قالَه ابناه عبدُ اللهِ وصالِحٌ عنه- في شهرِ رَبيعٍ الأوَّلِ سنَةَ أربعٍ وسِتِّينَ ومائةٍ وكشَفَ قبرَه حينَ دُفِنَ الشريفُ أبو جَعْفرِ بنِ أَبِى مُوسَى إلى جَانِبِه فوَجَدَ كَفَنَه صحيحاً لم يَبْلَ, وجُثَّتَه لم تَتَغَيَّرْ، وذلك بعدَ موتِه بمائتيْنِ وثلاثِينَ سَنَةً. قُلْتُ: وقد كانَ أهلُ الشامِ على مذهَبِ الأوزاعيِّ نحواً مائتَيْ سَنَةٍ، وكانَتْ وَفاتُه سَنَةَ سبعٍ وخَمْسِينَ ومائةٍ، وقيلَ: خَمْسِينَ, أو إحْدَى أو سِتٍّ ببَيْرُوتَ من ساحلِ الشامِ, ومَوْلِدُه سَنَةَ ثمانٍ وثَمانِينَ، وكذلك إسحاقُ ابنُ رَاهْوَيْهِ قدْ كانَ إِماماً مُتَّبِعاً له طَائِفَةٌ يُقلِّدُونَه ويَجْتهِدونَ على مَسْلَكِه يُقالُ لهم: الإِسْحاقِيَّةُ. وكانتْ وَفاتُه فيما أرَّخَه البخاريُّ ليلةَ السبتِ لأربعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِن شَعْبانَ سَنَةَ ثَمانٍ وثَلاثِينَ ومائتيْنِ عن سبعٍ وسَبْعِينَ سَنَةً، وفي ذلك يَقولُ الشاعِرُ: يا هَدَّةَ ما هَدَدْنَا ليلةَ الأحدِ *** في نِصْفِ شَعْبانَ لا تُنْسَى مَدَى الأبدِ. وقيلَ: في سنةِ سَبْعٍ. وكذلك اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وسُفْيانُ بنُ عُيَينَةَ وداودُ بنُ عَلِيٍّ إمامُ أهلِ الظاهرِ ومحمدُ بنُ جَريرٍ الطَّبَرِيُّ وغَيْرُهم مِمَّن قَلَّدَ وَقْتاً، ولكن لا نُطِيلُ لوَفِيَّاتِهم. ولَمَّا تَمَّ أصحابَ المذاهبِ المَتْبوعةِ أرْدَفَ بأصحابِ الكُتُبِ الخمسةِ معَ ما أُضِيفَ إليها, (ثُمَّ) الإمامُ صاحبُ الصحيحِ أبو عبدِ اللهِ مُحمدُ بنُ إسماعيلَ (البُخارِي) بالإسكانِ للوزنِ، نِسْبةً لبُخارَى، بلدٌ معروفٌ بما وَرَاءَ النَهَرِ، عَمِلَ غنجارٌ لَهُ تاريخاً، (لَيْلَةَ) عيدِ (الفطرِ) وهي ليلةُ السبتِ وَقْتَ صلاةِ العشاءِ, (لَدَى) بالمهملةِ أي: عندَ سَنَةِ (سِتٍّ وخَمْسِينَ) ومائتيْنِ (بخَرْتَنْكَ) بفتحِ المعجمةِ كما للسمعانيِّ, وهو المعروفُ، أو كَسْرِها كما لابنِ دقيقِ العيدِ، ثم سكونِ الراءِ المهملةِ بعدَها مُثنَّاةٌ فَوقانيَّةٌ مفتوحةٌ ثم نونٌ ساكنةٌ وكافٌ، قَريةٌ من قُرَى سَمَرْقَنْدَ عندَ أقرباءٍ له فيها, كانَ الذي نزَلَ عندَه منهم غالِبَ بنَ جِبْرِيلَ, وقيلَ: بمِصْرَ كما ذكَرَه ابنُ يُونُسَ في تاريخِ الغُرَباءِ له وهو شَاذٌّ، وبالأولِ جَزَمَ السمعانيُّ وغيرُه, (رَدَى) بفتحِ الدالِ المهملةِ أي: ذهَبَ بالوفاةِ إلى رحمةِ اللهِ تعالى، كذا أرَّخَه مهيبُ بنُ سُلَيمٍ والحسنُ بنُ الحسينِ البَزَّارُ، وفي السنةِ أبو الحُسَينِ بنُ قَانِعٍ وابنُ المُنادَى وأبو سُلَيمانَ بنُ زَبْرٍ وآخَرُونَ، قالَ الحسنُ: وكانَ مُدَّةُ عُمُرِه اثنتيْنِ وسِتِّينَ سَنَةً إِلاَّ ثلاثةَ عَشَرَ يوماً؛ لأنَّ مَوْلِدَه كانَ في يومِ الجمعةِ بعدَ الصلاةِ لثلاثَ عَشْرَةَ ليلةً خَلَتْ من شوَّالٍ أيضاً سَنَةَ أربعٍ وتِسْعينَ ومائةٍ، وقد نَظَمَ البرهانُ الحلبيُّ وفاتَه فقالَ: ثُمَّ البُخارِي يَوْمَ عيدِ الفِطْرِ *** سَنَةَ خَمْسِينَ وسِتٍّ فادْرِي. والإمامُ التالي له أبو الحُسَينِ (مُسْلِمٌ) هو ابنُ الحجَّاجِ القُشَيريُّ النَّيْسابُورِيُّ صاحبُ الصحيحِ أيضاً (سَنَةَ إحْدَى في) عَشِيَّةِ الأحدِ لأربعٍ بَقِينَ من شهرِ (رَجَبْ مِن بَعْدِ قَرْنَيْنِ) أي: مائتيْنِ (وسِتِّينَ) سَنَةً (ذَهَبْ) بالوفاةِ، ودُفِنَ يومَ الإثنيْنِ لخَمْسٍ، بَقِينَ منه بنَيْسابُورَ، وقَبْرُه مشهورٌ يُزَارُ، أرَّخَه كذلك أبو عبدِ اللهِ مُحمدُ بنُ يَعْقُوبَ بنِ الأخرمِ فيما حَكَاهُ الحاكِمُ عنه، وكانَ فيما قِيلَ عُقِدَ له مجلسٌ للمذاكرةِ، فذُكِرَ له حديثٌ فلَمْ يَعرِفْه فانصرَفَ إلى منزلِه، وقُدِّمَتْ له سَلَّةٌ فيها تمرٌ فكانَ يطلُبُ الحديثَ ويأخُذُ تَمْرَةَ تَمْرَةً فأصْبَحَ وقدْ فَنِيَ التمْرُ ووَجَدَ الحديثَ، ويقالُ: إنَّ ذلك كانَ سَبَبَ موتِه؛ ولذا قالَ ابنُ الصَّلاحِ: وكانتْ وَفاتُه بسببٍ غَرِيبٍ نشَأَ من غمرةِ فِكْرَةٍ عِلْمِيَّةٍ، وسِنُّهُ قيلَ: خَمْسٌ وخَمْسونَ. وبه جزَمَ ابنُ الصلاحِ وتَوَقَّفَ فيه الذَّهَبِيُّ وقالَ: إِنَّه قاربَ الستِّينَ، وهو أشْبَهُ من الجزْمِ ببلوغِه سِتِّينَ؛ فإنَّ المعروفَ أنَّ مولدَه سَنَةَ أربعٍ ومائتيْنِ.
(ثُمَّ) في يومِ الجمعةِ سَادِسَ عَشَرَ شوَّالٍ (لخَمْسٍ) من السِّنِينَ (بعدَ سَبْعِينَ) سَنَةً تلي مائتَيْ سَنَةٍ، ماتَ بالبَصْرَةِ الإمامُ (أبو دَاوُدَ) سُلَيمانُ بنُ الأشْعَثِ السِّجْستانِيُّ صاحِبُ (السُّنَنِ)، ومَوْلِدُه فيما سَمِعَه منه أبو عُبيدٍ الآجُرِّيُّ في سَنَةِ ثنتيْنِ ومائتيْنِ. (ثُمَّ) الحافظُ أبو عِيسَى محمدُ بنُ عِيسَى (التِّرْمِذِيُّ) بتثليثِ المُثنَّاةِ الفوقانيَّةِ وكسرِ الميمِ أو ضَمِّها وإعجامِ الذالِ (يُعْقِبُ) الذي قبلَه في الوفاةِ بنحوِ أربعِ سِنِينَ، فإِنَّه ماتَ في ليلةِ الإثنيْنِ لثلاثَ عَشْرَةَ ليلةً مَضَتْ من شَهْرِ رَجَبٍ, (سَنَةَ تِسْعٍ) بتقديمِ المُثنَّاةِ الفوقانيَّةِ على السِّينِ (بعدَها) أي: بعدَ السبعينَ ومائتيْنِ, كما قالَه أبو العَبَّاسِ جعفرُ بنُ محمدٍ المُسْتَغْفِرِيُّ وغُنْجارٌ وابنُ مَاكولا، والرشاطيُّ وغيرُهم، وقولُ الخليليِّ في (الإرشادِ): إِنَّه ماتَ بعدَ الثمانينَ. ظَنٌّ منه بأنَّ النقْلَ بخلافِه، وذلك بقريةِ بُوغٍ بضمِّ المُوحَّدَةِ وغينٍ مُعْجَمَةٍ، إحْدَى قُرَى تِرْمِذَ على سِتَّةِ فَرَاسِخَ منها. (و) الإمامُ أبو عبدِ الرحمنِ أحمدُ بنُ شُعَيْبٍ (ذُو نَسَا) بفتحِ النونِ والسِّينِ المهملةِ من كَوْرِ نَيْسَابُورَ، وقيلَ: من أرضِ فَارِسَ. فهو يُنْسَبُ لذلك نَسائِيٌّ بهمزةٍ بعدَ الألفِ، وقد يُنْسَبُ مَن يَكونُ منها نَسَوِيًّا، وقالَ الرشاطيُّ: إنَّه القياسُ. صاحبُ كتابِ السُّنَنِ (رَابِعَ قَرْنٍ لثَلاثٍ) من السِّنِينَ (رُفِسَا) بالسينِ المُهملةِ أي: ضُرِبَ سنةَ ثَلاثٍ وثَلاثِ مائةٍ، وذلك في صَفَرَ كما قالَه الطحاويُّ وابنُ يُونُسَ، وزادَ: يومَ الإثنيْنِ لثلاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ منه، وكذا قالَ أبو عامرٍ العَبْدريُّ الحافِظُ،
وقالَ أبو عَلِيٍّ الغَسَّائِيُّ: ليلةَ الإثنيْنِ، وقالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: في شَعْبانَ. كما حَكاهُ ابنُ مَنْدَةَ عن مشايخِه, أعني الرَّفْسَ بالأرجُلِ في حُضْنَيْهِ- أي: جَانِبَيْهِ- من أهلِ دِمَشْقَ حِينَ أجَابَهم لَمَّا سَألوه عن معاويةَ وما رُوِيَ في فضائلِه، كأنَّهم ليُرَجِّحُوه بها على عليٍّ رضِيَ اللهُ عنهما بقولِه: ألا يَرْضَى مُعاوِيَةُ رَأْساً برَأْسٍِ حَتَّى يَفْضُلَ؟ وما زالوا كذلك حتَّى أُخْرِجَ من المسجدِ ثم حُمِلَ إلى مَكَّةَ فماتَ بها مَقْتولاً شَهِيداً، وقالَ الدارقُطنِيُّ: إنَّ ذلك كانَ بالرَّمْلةِ، وكذا قالَ العَبْدَرِيُّ: إنَّه ماتَ بالرملةِ بمَدينةِ فِلَسْطِينَ ودُفِنَ ببيتِ المقدسِ، وسِنُّه ثَمانِيَةٌ وثَمانُونَ سَنَةً فيما قالَه الذَّهَبِيُّ ومَن تَبِعَه، وكأنَّه بَناهُ على قولِه عن نَفْسِه يُشْبِهُ أنْ يَكُونَ مَوْلِدِي في سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ ومائتيْنِ. وأبو عبدِ اللهِ مُحمدُ بنُ يَزِيدَ بنِ مَاجَهْ القَزْوينيُّ صَاحِبُ السُّنَنِ التي كَمُلَ بها الكتبُ الستَّةُ والسننُ الأربعةُ بعدَ الصحيحيْنِ التي اعْتَنَى بأطرافِها الحافظُ ابنُ عَساكِرَ ثم المِزِّيُّ معَ رِجالِها، وهو كما قالَ ابنُ كَثِيرٍ: كتابٌ مُفِيدٌ قَوِيُّ التبويبِ في الفِقْهِ. لكنْ قالَ الصلاحِ العَلائِيُّ: إِنَّه لو جُعِلَ مسندُ الدارمِيِّ بدلَه كانَ أوْلَى، وكانتْ وَفاةُ ابنِ مَاجَهْ فيما قالَه جَعْفَرُ بنُ إِدْرِيسَ ثم الخَلِيلِيُّ في (الإرشادِ): في سَنَةِ ثلاثٍ وسَبْعِينَ ومائتيْنِ، زادَ: أَوَّلُهما في يومِ الثلاثاءِ بَقِينَ من شَهْرِ رمضانَ، قالَ: وسَمِعْتُه يقولُ: وُلِدْتُ سنةَ تِسْعٍ ومائتيْنِ. وقيلَ: إِنَّه ماتَ سَنَةَ خَمْسٍ وسَبْعِينَ، وقد نَظَمَه البرهانُ الحَلَبِيُّ فقالَ:
قُلْتُ: ومَاتَ الحَافِظُ ابنُ مَاجَةِ *** مِن قَبْلِ حَبْرِ تِرْمِذٍ بسَنَةِ. قالَ: وتَجوَّزْتُ في إطلاقِ العامِ على بعضِه؛ لأنه خَمْسَةٌ أشهرٍ، وشيءٌ. انْتَهَى. وكانَ يُمْكِنُه أنْ يَقولَ: من قَبْلِ تِرْمِذِي بنِصْفِ سَنَةِ. ولَمَّا تَمَّ أصحابَ الكتبِ؛ أصولَ الإسلامِ, أرْدَفَ بأئمَّةٍ انتُفِعَ بتصانيفِهم معَ ما أُضِيفَ إليهم من نَمَطِهم (ثم لـ) مَضَى (خَمْسٍ وثَمَانِينَ) عاماً من القرنِ الرابعِ (تَفِي) بدونِ نَقْصٍ، وذلك في يومِ الأربعاءِ لثمانٍ خَلَوْنَ من ذي القَعْدَةِ ماتَ (الدَّارَقُطْنِي) بفتحِ الراءِ وإسكانِ آخرِه، نسبةً لدارِ القُطْنِ، وكانتْ مَحَلَّةً كبيرةً ببغدادَ، البغداديُّ الشافعيُّ، وهو الحافظُ الفقيهُ أبو الحَسَنِ عليُّ بنُ عُمَرَ صاحِبُ السُّنَنِ والعِلَلِ وغيرِهما، أرَّخَه عبدُ العزيزِ الأزْجِيُّ ودُفِنَ قريباً من قبرٍ معروفٍ الكَرْخِيُّ، ومولدُه كما قَالُه عبدُ المَلِكِ بنُ بِشْرانَ: في سنةِ سِتٍّ وثلاثِمائةٍ زادَ غيرُه: في ذِي القَعْدَةِ أيضاً، فعاشَ تِسْعاً وسَبْعِينَ سَنَةً. (ثُمَّتَ) أي: ثُمَّ, لغةٌ فيها, الحافِظُ (الحاكِمُ) أبو عبدِ اللهِ محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ محمدٍ النَّيسابوريُّ المعروفُ بابنِ البيعِ صَاحِبُ (المُسْتدرَكِ) و(التاريخِ) و(علومِ الحديثِ) وغيرِها (في خَامْسِ قَرْنٍ عَامَ خَمْسَةٍ) تَمْضِي منه أي: سَنَةَ خَمْسٍ وأربعِمائةٍ, (فَنِي) أي: ماتَ بنَيْسابورَ, فيما قالَه الأزْهَرِيُّ وعبدُ الغافِرِ في السياقِ، ومحمدُ بنُ يَحْيَى المُزَكِّي، وزادَ في صَفَرَ، ومَوْلِدُه أيضاً، بنَيْسَابُورَ في شهرِ ربيعٍ الأولِ سَنَةَ إحْدَى وعشرينَ وثلاثِمائةٍ.
(وبعدَه) أي: بعدَ الحاكِمِ (بأربعٍ) من السنينَ مَاتَ الحافظُ أبو محمدٍ (عبدُ الغَنِي) بنُ سعيدِ بنِ عَلِيٍّ الأزْدِيُّ المِصْرِيُّ صَاحِبُ المُؤْتَلِفِ وغيرِه، وذلك لسَبْعٍ خَلَوْنَ من صَفَرَ سَنَةَ تِسْعٍ وأربعِمائةٍ فيما قالَه أبو الحَسَنِ أحمدُ بنُ مُحمدٍ العَتِيقيَّ بمصرَ عن سبعٍ وسبعينَ سَنَةً. (فـ) بعدَه (في الثَّلاثِينَ) من السِّنِينَ بعدَ الأربعِمائةِ أيضاً، وذلك في بُكْرةِ يومِ الإثنيْنِ, العشرينَ من المُحرَّمِ مَاتَ الحافِظُ (أبو نُعَيْمِ) أحمدُ بنُ عبدِ اللهِ الأصبهانيُّ مُؤَلِّفُ معرفةِ الصحابةِ وتَاريخِ أصْبَهانَ وعلومِ الحديثِ وغيرِها فيما أرَّخَه يَحْيَى بنُ عبدِ الوَهَّابِ بنُ مَنْدَةَ بها، وسُئِلَ عن مَوْلِدِه فقالَ: في شَهْرِ رَجَبٍ سَنَةَ سِتٍّ وثَلاثِينَ وثلاثِمائةٍ. (ولـ) مَضَى (ثَمانٍ) من السِّنِينَ ماتَ من طَبَقَةٍ أُخْرَى تلي هذهِ في الزَّمَنِ الحافِظُ الفَقِيهُ أبو بَكْرٍ أحمدُ بنُ الحُسَينِ الشافعيُّ, (بَيْهَقِيُّ القومِ) أي: الحفاظُ وأئمَّةُ الشافعيَّةِ لاحتياجِهم لتصانيفِه الشهيرةِ وانتفاعِهم بها، ونُسِبَ لبَيْهَقَ بفتحِ المُوحَّدَةِ وسكونِ المُثنَّاةِ التحتانيَّةِ بعدَها هاءٌ مفتوحةٌ ثم قافٌ، وهي قَرْيَةٌ مُجْتمِعةٌ بنواحي نَيْسابورَ على عِشرينَ فَرْسخاً منها، وكانتْ قَصَبَتُها خسروجردَ, (مِن بَعْدِ) مُضِيِّ (خَمْسِينَ) وأربعِمائةٍ، وذلك في عَاشِرِ جُمادَى الأولى من سنةِ ثَمانٍ وخَمْسِينَ بنَيْسَابُورَ، وحُمِلَ تابوتُه إلى بَيْهَقَ, قالَه السمعانيُّ، قالَ: وكانَ مولدُه سنةَ أربعٍ وثَمانِينَ وثلاثِمائةٍ. (وبعدَ) مُضِيِّ (خَمْسَهْ) من وفاةِ الذي قبلَه ماتَ (خَطِيبُهم) أي: الحُفَّاظِ والمُسلمِينَ, الحافظُ أبو بكرِ أحمدُ بنُ عَلِيِّ بنِ ثَابِتٍ البغداديُّ الشافعيُّ, (و) كذا
(النَّمَرِي) بفتحِ النونِ والميمِ، نسبةً إلى النَّمِرِ بكسرِ الميمِ, وهي من شَواذِّ النسبِ التي تُحْفَظُ، ولا يُقاسُ عليها, كالنِّسْبَةِ إلى أُمَيَّةَ بضمِّ الهمزةِ أَمَويٌّ بفَتْحِها، وأبي سَلِمَةَ بكسرِ اللامِ سَلَمِيٌّ بفتحِها كما تَقدَّمَ، الحافظُ أبو عمرَ يوسفُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ عبدِ البَرِّ القُرْطُبِيُّ المالكيُّ مُؤلِّفُ (الاستيعابِ) وجملةٍ، كلاهما (في سَنَهْ) واحدةٍ، وهي كما عَلِمْتُه سنةَ ثلاثٍ وسِتِّينَ وأربعِمائةٍ، فالخَطِيبُ في ذِي الحِجَّةِ منها ببَغْدادَ, أرَّخَه ابنُ شافعٍ، وزادَ غَيْرُه في سَابِعِه، وأنَّ مولدَه في جُمادَى الآخرةِ سَنَةَ إحْدَى وتِسْعِينَ وثَلاثِمائةٍ، وقيلَ: سَنَةَ اثنتيْنِ. وهو المَحْكِيُّ عن الخطيبِ نَفْسِه, والآخرُ في سلخٍ شَهْرَ ربيعٍ الآخرَ منها بشَاطِبَةَ من الأندَلُسِ عن خَمْسَةٍ وتِسْعِينَ سَنَةً وخمسةِ أيَّامٍ، فإِنَّ مَوْلِدَه فيما حكاه عنه طَاهِرُ بن مفوزٍ يَوْمَ الجمعةِ والإمامُ يَخْطُبُ لخَمْسٍ بَقِينَ من شهرِ ربيعٍ الآخَرَ سَنَةَ ثمانٍ وسِتِّينَ وثلاثِمائةٍ. قالَ ابنُ كَثِيرٍ: وقدْ كانَ يَنْبَغِي لابنِ الصلاحِ أنْ يَذْكُرَ معَ هؤلاءِ جَماعةٌ من الحُفَّاظِ اشْتَهَرَتْ أيضاً تصانيفُهم بينَ الناسِ، ولا سِيَّما عندَ أهلِ الحديثِ؛ كأبي بكرٍ البزَّارِ وأبي يَعْلَى المَوْصِليِّ وإمامِ الأئمَّةِ محمدِ بنِ إسحاقَ بنِ خُزَيمةَ صاحِبِ الصحيحِ، وتلميذِه أبي حَاتِمٍ محمدِ بنِ حِبَّانَ البُسْتِيِّ صاحبِ الصحيحِ أيضاً، والطَّبرانيِّ صاحبِ المعاجمِ الثلاثةِ وغيرِها، وأبي أحمدَ بنِ عَدِيٍّ صاحبِ (الكاملِ). قُلْتُ: والظاهِرُ أنَّ ابنَ الصلاحِ لم يَقْصِدِ المُكْثِرِينَ خاصَّةً وإنَّما أرادَ معَ انضمامِ تصانيفَ في بعضِ أنواعِ عُلومِ الحديثِ، اشْتَهَرَتْ وعَمَّ الانتفاعُ بها،
وبنحوِ ذلك يَعتَذِرُ عن عَدَمِ ذِكْرِه لابنِ مَاجَهْ، وهو كونُه سَادِجاً عمَّا حَرِصَ عليه أصحابُ الكُتُبِ الخمسةِ من المقاصدِ التي بتَدَبُّرِها يَتمَرَّنُ المُحدِّثُ خُصوصاً، وفيه أحاديثُ ضعيفةٌ جِدًّا, بل مُنكَرَةٌ، بل قالَ الحافظُ المِزِّيُّ فيما نُقِلَ عنه: إنَّ الغالِبَ فيما انفرَدَ به الضعْفُ. ولذا لم يُضِفْه غيرُ واحدٍ كرَزِينٍ السَّرَقُسطِيِّ وابنِ الأثيرِ وغيرِهما إلى الخمسةِ.
تَتِمَّةٌ: يقَعُ في كلامِهم: فلانٌ المُتوفَّى، وأنتَ في فتحِ الفاءِ وكَسْرِها بالخيارِ, والكسرُ مُوَجَّهٌ بالمُتوَفِّي لمُدَّةِ حياتِه، ويَشْهَدُ له قولُه تعالى: (وَالَّذِينَ يَتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ) على قراءةِ عليٍّ في فتحِ الياءِ, أي: يَسْتوفونَ آجالَهم، وإنْ حُكِيَ أنَّ أبا الأسودِ الدُّؤَلِيَّ كانَ معَ جنازةٍ فقالَ له رجُلٌ: مَن المُتَوفِّي؟ بكسرِ الفاءِ، فقالَ: اللهُ. وإنَّها كانتْ أحَدَ الأسبابِ الباعثةِ لأمرِ عَلِيٍّ له بالنحْوِ، فقد ِقيلَ يعني على تقديرِ صِحَّةِ الحكايةِ: إِنَّه اقتصَرَ على ما يَحتمِلُه فَهْمُه ويَتعَلَّقُه خصوصاً, وهو القائلُ: حَدِّثوا الناسَ بما يَعرِفونَ.
|